مواقف موضوعية
أحمد ناصر حميدان
وحدهم المتعصبون متصلبون الرؤية، عصيي على التغيير، تتغير من حولهم الظروف الموضوعية وهم لا يتغيرون لتواكب اختياراتهم ومواقفهم الظروف الموضوعية.
نحن أكثر استهلاكا للشعارات، وترويجا للمشاريع التي يتطلع لها الناس، تنضج فينا حتى نكاد نشعر بالوعي كدافع لتحقيقها كواقع، و بلمحة بصر يتلاشى كل شيء، ولا يبقى غير الأوهام وبقايا شعارات، وتذهب تطلعات الناس أدراج رياح الصراعات والانتقام وأحقاد الماضي، ويتولى أمرنا جهلة ومتعصبون.
وحدهم المتعصبون متصلبون الرؤية، عصيي على التغيير، تتغير من حولهم الظروف الموضوعية وهم لا يتغيرون لتواكب اختياراتهم ومواقفهم الظروف الموضوعية.
نجاح الجماعات والأفراد يكمن في موضوعية اختياراتهم ومواقفهم، ولا رهان على من لا يرى في الدنيا سواه، ولا يضع أدنى اعتبار لتطلعات الآخر بحياة كريمة وعدالة اجتماعية وحرية، بوطن التعايش والتنوع.
فالتنوع هو إرادة ربانية لا دخل للإنسان فيها، لذلك فالموضوعية تقتضي، فهم واداراك تلك الارادة، وتفهم حكمتها الإلهية، والتعامل معها كواقع، واقع الشراكة التي تلغي للابد الاستحواذ والاستئثار بالسلطة والثروة.
نحتاج للموضوعية لنكن أكثر واقعيين وعقلانيين، لنتحرر من الأوهام الذاتية في التسيد والتسلط والهيمنة، لنرى بوضوح شامل التفكير والرؤية وواعي أهمية الشيء ونقيضة في حياة طبيعية تجمعهما وتنظم تناقضاتهما.
لا تزال الذاتية تقتلنا بطريقتها، ولا تزال العصبية تدفعنا لاصطفاف ضد مصالحنا، ولا يزال الكثير يسعد بالعبودية، ويصنع من أحلامه وتطلعاته أصناما للرهان، فإذا به أسير للأوهام.
منطق الواقع اليوم، يستدعي وعي تجاوز الذات للتعامل الايجابي مع الآخر، تجاوز الماضي وجراحاته وماسية، لنستوعب أننا شركاء في ما يحدث، وشركاء أيضاً في المسئولية، ومعنين في المخارج والحلول.
فيبرز السؤال المحوري هل قادرين على أن نكون امة محترمة؟ قادرة على تغيير واقعها بوعي ورؤية علمية وفكرية ومشروع جامع، تغيير ينقلنا لواقع أفضل خالي من كل صراعات وبلاوي الماضي العفن، لرأب الصدع، وردم الهوة، وترميم الشروخ في النسيج الاجتماعي، وقف تدمير بنى العملية السياسية، في نضال وطني وانساني المقام.
الصراعات السلبية اليوم، والانقسام الحادة، والشتات والفوضى والعبث، مخطط تدميري للامة، بأدوات اللا وعي حماسا وشطط وتهور وتغرير، بطعم المسميات والترويج لأوهام والواقع البائس واضح المعالم والنتائج.
دون ذلك سنظل نشكو بعض، وسنظل نبكي على حضنا، ما لم تكن اختيارنا موضوعية رؤيتنا شاملة، نتعامل بروح ايجابية مع الآخر لنصلح حال البلد وتصلح أحوالنا، طوق النجاة هي الدولة الوطنية الضامنة للمواطنة والديمقراطية لوطن حاضن لكل أبنائه ومستوعب كل افكارهم وتنوعهم.
المجتمع هو شريان حركة الدولة اقتصاديا وسياسيا يمدها بما هو ايجابي او سلبي، بما يعود عليه ايجابيا او سلبيا، تحسين المستوى المعيشي مرتبط بالحركة الاقتصادية، وضبط ايرادات الدولة، ومصدر تموين موازنة وبنودها، بنظام وقانون ورقابة ومحاسبة.
ما يحدث أن اللصوص والفاسدين وناهبي الايرادات والدخل القومي يدعمون الفوضى في مواجهة تفعيل مؤسسات الدولة، والعمل على استعادة الموارد العامة لتصب في موازنة عامة، ليتحرك شريان الحياة، يغذي الموازنة وتنظم أوجه الصرف مما يعود بالخير للناس، تنشط حركة القوانين، لتعود الحياة للراتب والعلاوات والتسويات والترفيعات بل والتوظيف، لتحرر البلد من التوسل للدعم , الموازنة ضمان للحقوق والواجبات، دون موازنة لا معنى للدولة، ولا ضمان للناس في رواتب اليوم للغد، وسيظل شريان الحياة معاق، والمواطن مهدد في معيشته وراتبة.
مشهد اليوم الفوضوي في اقتحام المؤسسات والنقابات، هو استمرار للمسرحية الهزلية، استمرار للاستحواذ والاستئثار منذ نصف قرن، لكل من شعر بقدر من القوة تسلط وطغاء وهيمن، يستعرض عضلاته في الساحة السياسية، في مسرحية هزلية فيها الفاسدون يمونون حملة لمحاربة الفساد لحماية فسادهم، حملة أدواتها لا وعي، ممن يعملون ضد مصالحهم، ويبررون الانتهاكات والفشل، والشماعة التي صارت اسطونه مشروخ، ومصدر سخرية لا صحابها، في وطن هو في أمس الحاجة اليوم لتضافر الجهود في تجاوز المعضلات، باختيارات ومواقف موضوعية.