في كلمته الأخيرة، راهن “علي صالح” في جزء من خطابه على انتزاع هاجس وتجسيده أمام دول الخليج وبالأخص السعودية والإمارات من الإخوان المسلمين ويقصد به حزب الإصلاح، طبعاً.
في كلمته الأخيرة، راهن “علي صالح” في جزء من خطابه على انتزاع هاجس وتجسيده أمام دول الخليج وبالأخص السعودية والإمارات من الإخوان المسلمين ويقصد به حزب الإصلاح، طبعاً.
ورغم أن ذلك الهاجس، عملياً، لا يزال هو سيد الموقف من قبل وحتى اللحظة؛ إلّا أن السعودية وسَّعت من دائرة اهتمامها وهاجسها بعد أن رأت، مؤخرا، أن إيران قد لغمت محيطها الجغرافي بمليشيات مسلحة ذات طابع عدائي سياسياً، وطائفياً، مما أضطرها للبحث عن حواضنها الأصلية في صراعها مع إيران.
وجدت السعودية بعد البحث أن الاخوان والسلفيين بجناحيهما السياسي والدعوي هم العصا الغليظة للتصدي للشغب الإيراني في المنطقة، وفي اليمن تحديدا، وهو ما برر لذلك، بشكل واضح الكاتب السعودي جمال خاشقجي بأن السعودية تتعاطى مع الإخوان في إطار مصلحة التصدي للنفوذ الإيراني.
يتواجد في المملكة حاليا أغلب قيادات حزب الاصلاح وتيار الشيخ عبدالمجيد الزنداني، وقيادات السلفية بجميع تياراتهم، وهؤلاء يعتبرون من أكبر صانعي القرار الشعبي في اليمن، لكن السلطات السعودية حسب الشواهد تتعامل بشكل منفصل تماماً بين الجناح السياسي والجناح الدعوي على النحو التالي:
أولا-الجناح السياسي
بعد انقلاب الحوثيين و”صالح” على السلطة لجأت قيادات الاصلاح إلى المملكة، واتفقت مصالح الجميع مع التوجه السعودي، بعد أن أصبح جميعهم في دائرة استهداف الحوثيين وصالح، ومن خلفهما إيران.
ورغم هذا الانسجام السياسي، على شكله الظاهر، فيما بين المملكة والاصلاح طيلة نصف عام من بداية عاصفة الحزم، إلا أن الحاجز لا يزال مفروضاً، والتوجس هو سيد الموقف، وهو ما لمَّح به محمد اليدومي بكملته الأخيرة في ذكرى تأسيس حزب الاصلاح حين خاطب قوات التحالف بقوله: إننا لسنا لؤماء حتى ننسى دعمكم ونحن على ثقة أنكم لن تتركونا في منتصف الطريق.
وفعلا يخشى الاصلاح أن تقدمهم دول التحالف إلى حلق المدفع ثم تطلق بهم أول شرارة الحرب ضد الحوثيين وصالح، وأي تسوية سياسية فيما بعد يخافون تركهم خارج السلطة رغم ما قدموه من تأييد لعاصفة الحزم.
في ذات الأمر، تحدث حميد الأحمر، مؤخرا، “أن الإصلاح لم يلتق القيادات العليا في المملكة ولايزالون رفاق سلاح مع والسعودية وفي محاولة لتبديد مخاوفها”.
هل لهذه الدرجة ليس لقيادات الاصلاح أهمية في تصور المملكة؟ بلى، ولكن التراكمات الضغائنية السابقة لا زالت عالقة، والتوجس من استقواء الإصلاح بعد ضرب الحوثيين، وهو ما يمكن أن يحدث منطقة داكنة، واستمراراها بين علاقاتهم في المستقبل، في أسوأ الأحوال.
أتصور، أن أكثر دلائل على تلك المنطقة الداكنة، هو موقف التحالف من حصار مسلحي الحوثي وصالح لمدينة تعز، فهي الجبهة التي تبرز فيها قوة الاصلاح العسكرية، وأي انتصار للمقاومة في تعز هو انتصار للإصلاح، في نظر التحالف والسعودية.
أحد الأصدقاء في الرئاسة قال لي قبل فترة، إن قيادة الإصلاح تحاول أن تكسر الحاجز بينها وبين المملكة، من خلال تعهداتهم بأن لا يكون ضرب الحوثيين وصالح على حساب استحواذهم على السلطة مستقبلا، وسيقاتلون ميدانيا تحت إطار جيش وطني، ويكونوا شريكاً قادماً مع أي تشكيلة قادمة للسلطة.
وعلى هذا النحو تبذل قيادات الاصلاح مجهوداً في البحث عن نقاط مشتركة رغم موجات الهاجس لدى المملكة والذي يحاول “علي صالح” احياءه في جميع لقاءاته.
ثانياً-الجناح الدعوي
أما الجناح الدعوي، فيبدو أن استقبال قيادات الإخوان والسلفيين في الرياض يتعدى مسألة اللجوء بسبب الحرب إلى مشروع تُخطط له السياسة السعودية على مستوى المنطقة وليس لليمن فحسب.
وأن تستقبل الرياض الشيخ عبدالمجيد الزنداني الرجل الذي يُـثير الولايات المتحدة الأمريكية فهي سابقة من نوعها، وخروجاً عن النص الأمريكي، وربما سيكون بقاء الزنداني مع بقية علماء الدين في الرياض ونشاطهم سيضفي دعماً إضافياً للسعودية في أي مناورة سياسة أو عسكرية قادمة مع إيران.
مؤخرا، أصدرت هيئة علماء اليمن من الرياض بياناً بشأن التدخل أو الاحتلال الروسي في سوريا، وحث البيان على دعم الشعب السوري دون تحديد حجم ونوع هذا الدعم مما فسره حلفاء إيران بأنها دعوة للجهاد على شاكلة الدعوة التي أطلقها علماء اليمن في أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي ضد الاتحاد السوفياتي.
مع هذا كله لا يمكن القول إن تعاطي السعودية في سياستها الحالية مع رموز الاخوان والسلفيين بجناحيهما السياسي والدعوي هو بداية لحرب طائفية دينية مع إيران وحلفائها في اليمن والمنطقة، حسب ما روج لذلك “علي صالح” في كلمته، فهي لا زالت في حالة مناورة سياسية، ولكنها تبحث بنفس الوقت عن التأييد المجتمعي والظهور بقوة أمام سياسة إيران التوسعية.
وبعيدا عن هاجس السعودية المرحلي والمستقبلي من الإصلاح يبقى أن السعودية في تعاطيها مع قيادات ورموز الحاضنة السنية، السياسي والدعوي، وضربها للتجربة الخمينية في اليمن، حسب توصيف الرئيس هادي، حجمت من تكرار سيناريو العراق، والذي كان الحوثيون سيتعاملون بوحشية مع خصومهم، في ذات الوقت كانت ستتصدر جماعات جهادية مسلحة باسم مظلومية السنة، وبالتالي دخولنا في حرب بينية لا طرف فيها منتصر سوى العمائم الخمينية.