العالم يكبر ويتسع، ونحن نضيق الخناق على بعض، اصطففنا حول الوسائل وضاعت عنا الأهداف، الكل يتغنى بالشعارات، ويسير مسار مخالف.
عندما يتعلق الأمر بمصيرنا، والانتقال لمستقبل أفضل، يحفظ سيادة الوطن وكرامة الانسان فيه، ما نحتاجه هو الشجاعة في نقد تجاربنا الفاشلة التي أمضينا فيها عقودا من الزمن في صراعات واقتتال وحروب، جعلت منا امة مثيرة للسخرية، نتعصب ايدلوجيا، طائفيا، مناطقيا، فندمر ما بنيناه في سنوات بلحظات غباء، ما نحتاجه هو التنقيب العلمي للحقائق لنؤسس عليها المستقبل الذي ينشده الناس.
كتبنا الكثير عن الظواهر، وتفننا في تحميل الآخر المسئولية، اجتهدنا في تبرئة الذات، وتحوير الأحداث، وصياغة التاريخ بأكذوبة المؤامرة ونفس التعصب والنصر الزائف، لكننا عجزنا في أن نقول الحقيقة، في نقد ايجابي بناء يكتسب أهمية خاصة تستوجب توفير الأدوات وتحديد المنهجية العلمية والاسلوب الموضوعي الدقيق المفضي إلى نتائج دقيقة من شأنها تغيير الواقع الذي تشكو منه الامة طيلة عقود من الفشل والعجز والجريمة بحقها.
العالم يكبر ويتسع، ونحن نضيق الخناق على بعض، اصطففنا حول الوسائل وضاعت عنا الأهداف، الكل يتغنى بالشعارات، ويسير مسار مخالف.
نتعصب دون وعي كعلمانيين ولبراليين، ديانات وعقائد، طوائف ومناطق، أيدولوجيات، ولو بحثنا سنجد فيهما القاسم المشترك الذي يوحدنا ويصون كرامتنا وسيادتنا ويحفظ احترامنا لبعض وبين امم المعمورة.
تعصب أصابنا بأفة الاتهام والتخوين، لنتحول لأدوات تنفيذ الجريمة الكبرى بحق الامة والأوطان، تعصبنا يفضي لتعصب مقابل، انحيازنا يفضي لانحياز مقابل، وبالتالي عنفنا يفضي لعنف مقابل، والنتيجة عدم الاستقرار، فتهنا عن المستقبل، لنتفرغ لقهر الآخر والاستئثار بالسلطة والثروة.
ما نحتاجه هو الجلوس مع الذات قبل الآخر، حتى نصل لوعي يستوعب أن الاختيار حق مكفول، وليس من الحق أن تفرض اختيارك على الاخرين.
وعي ينتزع منا العصبية، ويقينا من الأدلجة وبرمجة العقول التي تفقدنا انسانيتنا وتجعلنا أقرب للآلة من البشر، آلة قتل وتدمير وخراب، ترى الآخر عدو والمختلف خصم والتنوع جريمة.
ما امسّنا للوعي لنستوعب أننا شركاء في وطن، شركاء في النجاح والفشل، شراكة يضبطها عقد اجتماعي، ودولة بشخصيتها الاعتبارية (مؤسسات) لا أفراد وعصبيات وتحالفات مشبوهة تغذي الصراعات والتناقضات وتدير الحروب، حروب تولي علينا اسوأ ما فينا، تسيد الأطماع فتغيب العقلانية والمهنية والحق.
الوعي الزائف للايدلوجيا معضلة، عندما تتبنى الجماعة مجموعة قيم وأفكار، فتؤثر في فكرها وتجعلها ترى الأشياء تبعاً لمنطقها هي، لا منطق الأشياء، لغرض انجاز فعل اجتماعي كوسيلة يحقق مصلحة تلك الافكار المشوهة.
فلا ترى تلك الجماعة الشأن العام بهم الجميع، بل بهمومها ومصالحها، ولا تؤمن بالشراكة؛ ترفض الديمقراطية كوسيلة حسم للخلاف، بعقول مشحونة بقالب جاهز يرفض التقارب والتوافق على ملتقى مشترك، تلك هي المشاريع الفاقدة للحجة، بإدراك أن الحرية والديمقراطية رافعه حقيقية للحجة التي يقتنع فيها الناس والحجة هي الحق، اما الباطل رافعته العنف والتهديد والوعيد، تنصب فيه المشانق ومحاكم التفتيش عن النوايا والاختيارات.. انه الفشل الذريع في قبول الآخر وبناء جسور الثقة، لوطن يستوعب كل ابنائه.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.