“بني حشيش”، بلاد العنب التي حولها الحوثيون إلى “مقابر” (تقرير)
على بعد حوالي 20 كم إلى الشمال الشرقي من قلب العاصمة اليمنية صنعاء، تقع مديرية “بني حشيش”، المشهورة بإنتاج وزراعة أجود العنب والزبيب اليمني. يمن مونيتور/ مأرب/ تقرير خاص
على بعد حوالي 20 كيلو متراً إلى الشمال الشرقي من العاصمة اليمنية صنعاء، تقع مديرية “بني حشيش”، المشهورة بإنتاج وزراعة أجود أنواع العنب والزبيب اليمني.
وينتمي معظم سكانها الذين يزيد عددهم عن 70 ألفاً، بحسب آخر تعداد عام للسكان أجرته اليمن في 2004، إلى قبائل تحمل الاسم ذاته، بني حشيش، يعمل معظمهم في الزراعة والتجارة، خصوصاً زراعة العنب والقات.
في منتصف أكتوبر من العام 2008 كان الحضور الأبرز لمديرية “بني حشيش”، عندما اندلعت فيها مواجهات عنيفة بين الجيش اليمني والحوثيين، بعد أن نصب الحوثيون كميناً لمدير أمن محافظة “صنعاء”، أدى لمقتل اثنين من مرافقيه، غير أن السلطات اليمنية استطاعت اخماد ما وصفته بالتمرد في المديرية بعد نحو شهر من اندلاع المعارك.
تقف “صعدة” شمالي البلاد، المعقل الرئيس للحوثيين، إلى جوار “بني حشيش” في انتاج وزارعة العنب، وفي حشد المقاتلين لجماعة الحوثي على السواء.
وبالنظر إلى خارطة المخازن البشرية لمقاتلي الحوثي، نجد أن مديرية “بني حشيش” تقع في أعلى القائمة بعد محافظة “صعدة” بمديرياتها المختلفة.
ويقول قيادات في المقاومة الشعبية بمحافظة “مأرب” إن معظم المقاتلين في صفوف الحوثي، الذين قتلوا أو أسروا خلال المواجهات ينتمون لمديرية “بني حشيش”، وهو أيضاً ما تقوله المقاومة في محافظات “تعز” و”عدن”.
وحصل “يمن مونيتور” على قائمة وجدتها المقاومة في أحد المواقع التي فر منها الحوثيون في محافظة “مأرب”، وبتفحص سريع للقائمة التي تضم 27 مقاتلاً، نجد أن 14 منهم ينتمون لـ”بني حشيش”، أي أكثر من 50% من المقاتلين في موقع واحد، في الوقت الذي تشير فيه مصادر إعلامية إلى أن 90% من المقاتلين في جبهات مأرب البالغ عددها 13 جبهة كانوا من “بني حشيش”.
ويقيم الحوثيون بين الحين والآخر فعاليات للتحشيد في “بني حشيش”، يتم بعدها تسليح مقاتلين جدد وإرسالهم إلى جبهات القتال في أكثر من منطقة يمنية.
“بني حشيش” التي يعتبرها البعض أغنى مديرية في اليمن، تعتمد على الإنتاج الزراعي، وأراضيها خصبة جداً، غالبيتها تزرع العنب، وفواكه أخرى، غير أن الحرب التي يخوضها الحوثيون سببت نكبة اقتصادية كبيرة للمنطقة، خاصة في مجال تسويق المنتجات هذا العام، حيث تشير الاحصائيات إلى أن نحو 1800 من أبناء المديرية قتلوا خلال الحروب التي يخوضها الحوثيون في مختلف الجبهات، معظمهم في محافظتي “عدن” و”مأرب”، كما أصيب نحو 1000 منهم، بينهم 200 حالتهم خطيرة، إضافة إلى 600 مفقود لا يعرف مصيرهم.
الصحفي اليمني “عبدالله الحرازي” يشير إلى أن الأسر الهاشمية تتركز في مديرية “بني حشيش”، باعتبارها من أخصب الأراضي منذ أيام الإمامة، لما تتمتع به من خصوبة و ثروة زراعية، مضيفاً أن تلك الأسر “كونت اقطاعيات إبان حكم الإمامة، حيث يعمل غالبية القبائل كأجراء فقط للأراضي التي استولى عليها الهاشميون بحق وباطل”.
وأشار “الحرازي” في حديثه لـ “يمن مونيتور”، إلى “أن المديرية تعتبر مخزناً للمقاتلين في صفوف جماعة الحوثي منذ الحرب الرابعة، و يتركز فيها نشاط الجماعة منذ وقت مبكر، مؤكداً أنه “على الرغم من قربها الشديد من العاصمة، وتداخل الكثير من أراضيها ضمن اطار العاصمة، إلا أن السطوة الدينية لقادة الحوثيين فيها حرصت على استمرار تجهيلها بشكل مريع، إذ يندر أن يوجد فيها حملة الشهادات الجامعية مقارنة بحجم سكان المديرية”.
وخلال الحروب التي يخوضها مسلحو الحوثي، تتجاهل وسائل الإعلام التابعة للحوثيين، الأعداد الكبيرة للقتلى من هذه المديرية إلا ما ندر، بينما تركز تقاريرها المصورة على القوافل والتبرعات المقدمة من المديرية بشكل منقطع النظير”.
ويتابع الحرازي “يتداول الناس في المديرية قصصاً كثيرة منها اختفاء وانقطاع تام لعشرات من أبنائها الذين ذهبوا للجبهات، وكذا التبرعات الكبيرة، حيث تبرع أحد المزارعين فيها على سبيل المثال منفردا بـ 80 برميل ديزل لآليات الجماعة، ومن المتعارف عليه لدى المزارعين هناك تخزين الديزل بكميات كبيرة للاستخدام الزراعي في المديرية التي تضم مئات الآبار الجوفية للمياه”.
ويدير المديرية شكلياً المشايخ المتعاونون مع الحوثيين، أما على أرض الواقع فيديرها عدد من القيادات الحوثية الهاشمية من المديرية نفسها ومن محافظة صعدة.
ولا يستطيع الأهالي حتى وإن أرادوا الجهر بامتعاضهم من مقتل واختفاء أبناءهم في هذه الحرب، خوفاً من قمع كبير يمكن أن يتعرضوا له، ونبذ اجتماعي في غالبية ترى انهم يقاتلون في سبيل الله، وأن أي تضحية مبررة مهما بلغت”.
من جانبها ترى قيادات الحوثيين أن لا قيمة لهؤلاء، وأن عليهم فقط تقديم المزيد من المقاتلين والأموال، فيما يسمى بـ”جهاد الدفع” لدى فقهاء الحوثية.
وتعد منطقة “بني حشيش” بحسب مؤرخين، من المناطق اليمنية التي تقاسمها خاصة الخاصة من الهاشميين في عهد الإمامة، إضافةً إلى مناطق “الروضة” و”همدان”، وغالبية المناطق الزراعية المحيطة بالعاصمة، وهو دأبهم منذ قديم الزمن، حيث يتتبعون أخصب المناطق ليكونوا عمالاً عليها أيام الإمامة، ثم ما يلبثون أن يتملكون أفضل الأراضي، ويحولون السكان الأصليين إلى أجراء، مثل مدينة “جبلة” في محافظة “إب”، ومناطق “السدة” و “النادرة”، ومنطقة “الأشراف” بمأرب.