موائد بلا أسماك في اليمن
حرمت المعارك في الساحل الغربي كثيراً من الصيادين اليمنيين من ممارسة أعمال الصيد اليومية، ليتسبب ذلك في حرمان ملايين المواطنين من الأسماك.
يمن مونيتور/العربي الجديد
حرمت المعارك في الساحل الغربي كثيراً من الصيادين اليمنيين من ممارسة أعمال الصيد اليومية، ليتسبب ذلك في حرمان ملايين المواطنين من الأسماك.
بعدما كانت متوافرة بشكل كبير وبأسعار مناسبة للأسر ذات الدخل المتوسط، اختفت الأسماك من موائد اليمنيين. وفي السياق، يقول المواطن عبد الله أحمد، وهو من سكان صنعاء، إنّ أسعار الأسماك تضاعفت منذ بدء الحرب قبل أكثر من أربع سنوات. يشير إلى أنّه من الأشخاص الذين لم يبتاعوا الأسماك منذ أكثر من سنتين في أكثر من أربع مناسبات. يضيف أحمد لـ”العربي الجديد”، أنّ الأسماك كانت الوجبة المفضلة لدى أفراد أسرته، “فهي شهية ومفيدة ورخيصة الثمن مقارنة باللحوم الأخرى. ولم تكن تغادر مائدة غالبية الفقراء في اليمن قبل الحرب”.
وعن أسباب عدم شراء الأسماك، يقول: “كانت أسعارها قبل الحرب في متناول الجميع بالمقارنة بأسعار لحوم الطيور والأبقار والأغنام”. يلفت إلى أنّ الأسماك أيضاً بات استهلاكها يقتصر على الأغنياء كاللحوم الأخرى، فـ”سعر الكيلوغرام الواحد من الأسماك الجيدة يبدأ من 3 آلاف ريال يمني (6 دولارات أميركية)، وهذا المبلغ بالنسبة إلى معظم الناس كبير جداً، فأغلب اليمنيين فقدوا دخلهم، بالإضافة إلى استمرار انقطاع رواتب موظفي الحكومة منذ أكثر من عامين ونصف العام”.
المواطن سمير شرف، توقف أيضاً عن شراء الأسماك نهائياً منذ عدة أشهر، بعدما كان ممن يواظبون على شرائها نظراً إلى قيمتها الغذائية الكبيرة ومذاقها اللذيذ. يقول: “منعني عنها الارتفاع الناري لأسعارها خلال الأشهر الماضية من جهة، وتوفير المال لشراء المتطلبات الأساسية لأسرتي من جهة ثانية”. يشير إلى أنّ الارتفاع المستمر لأسعار المواد الغذائية الأساسية، دفع بالناس إلى ترك شراء الأسماك، إذ لم تعد من ضمن أولوياتهم لعدم امتلاكهم المال. يواصل لـ”العربي الجديد”: “عندما أحصل على المال، أقسمه على شراء الماء والقمح والأرز والسمن والشاي وفواتير الكهرباء. لم يعد هناك ما يكفي لشراء اللحوم بمختلف أنواعها بما فيها الأسماك. فقد أصبحت غالية جداً”. يلفت إلى أنّ أفراد أسرته تفهموا هذا الوضع كغيرهم من اليمنيين، واعتادوا على غياب الأسماك عن مائدتهم.
في المقابل، يؤكد بائع الأسماك في سوق البليلي في وسط صنعاء، عبد الله مقبل، عزوف اليمنيين عن شراء الأسماك لأسباب كثيرة.
يقول البائع لصحيفة “العربي الجديد”: “كنت أبيع قبل الحرب أكثر من 100 كيلوغرام من الأسماك بأنواعها المختلفة في اليوم الواحد، أما اليوم فقد تراجعت إلى أقل من النصف، ولا يشتري الأسماك إلّا المسؤولون أو ورجال الأعمال”. يؤكد صالح أنّ الصيادين رفعوا أسعار الأسماك بعد تراجع عملية الصيد وزيادة الطلب عليها، فقد “ارتفعت تكاليف النقل من الحديدة إلى صنعاء بالإضافة إلى زيادة أجور العمال بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، والإتاوات التي تفرضها السلطات المحلية على محلات البيع”. يضيف: “كثير من أصحاب محلات بيع الأسماك أغلقوها خلال السنوات الأربع الماضية، من جراء استمرار انقطاع التيار الكهربائي واضطرارهم إلى شراء كميات كبيرة من الثلج بأسعار مرتفعة كي لا تفسد الأسماك”. ويقول صالح إنّ انخفاض أسعار الأسماك مرهون بتوقف الحرب وعودة الأمن والاستقرار إلى البلاد. يتابع أنّ الأسماك التي تأتي من المحافظات الساحلية الجنوبية بعدن وحضرموت “لم تعد بالكميات الكبيرة السابقة، وهذا ما جعل أسعار الأسماك ترتفع أيضاً بشكل كبير”.
من جانبه، يوضح الصياد محمد الزرنقي، وهو من محافظة الحديدة، غربي البلاد، أنّ ارتفاع أسعار الأسماك “مسألة طبيعية في ظل وجود حرب في السواحل”. يشير إلى أنّ الانقطاع المتكرر للوقود وارتفاع أسعاره في حال وجوده، وفرض الحوثيين ضرائب إضافية على قوارب الصيد داخل مدينة الحديدة، بالإضافة إلى قرار التحالف الذي تقوده السعودية بتحديد أماكن للصيد، كلها أسباب ساهمت في تراجع الصيد وارتفاع أسعار الأسماك. يضيف لـ”العربي الجديد”: “آلاف الصيادين تركوا مهنة الصيد والتحقوا بمهن أخرى، بمقابل مادي زهيد، حرصاً على حياتهم، بعد سقوط ضحايا منهم بغارات جوية لطيران التحالف العربي، وملاحقات الحوثيين لهم، بالإضافة إلى اختطاف السلطات الإريترية بعض الصيادين في مياه البحر المشتركة بين البلدين، مستغلة انشغال الحكومة بالحرب”. يلفت إلى أنّ “كثيراً من الصيادين يشاركون في القتال اليوم، والبعض منهم يبيع القات، كذلك نزح آخرون إلى مناطق جبلية بعدما وصلت المواجهات المسلحة إلى مناطقهم”.
وتعتبر الثروة السمكية من أهم الثروات الطبيعية المتجددة في اليمن ومصدراً هاماً للدخل القومي. ويوجد في المياه الإقليمية اليمنية أكثر من 350 نوعاً من الأسماك والأحياء البحرية الأخرى. وبحسب وزارة الثروة السمكية اليمنية، فإنّ إجمالي عدد المتضررين من الدمار الذي لحق بالقطاع السمكي في البلاد من جراء الحرب، بلغ أكثر من مليوني شخص، كما أنّ 60 في المائة من الصيادين فقدوا أعمالهم. ويعيش أكثر من مليون موظف حكومي في اليمن من دون رواتب، منذ انقطاعها في سبتمبر/ أيلول من عام 2016. ويعتمد سكان البلاد على المساعدات الإغاثية التي تقدمها المنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني منذ بدء الحرب في مارس/ آذار 2015.