خنساء صالح

حسن عبدالوارث

يحتقر الرجل اليمني رجلاً مثله فيصفه بأنه امرأة. ويُمعن في الاحتقار باستخدام مترادفات عامية للمفردة ذاتها: مَكْلف.. مَرَة.. حُرْمة. وقال بعضهم ايغالاً في التحقير “مابِش مَرَة شخَّت من طاقة”. وقد سمعت هذه العبارة لأول مرة قبل بضعة عقود من قيادي كبير في المؤسسة السياسية للدولة، ساخراً يومها من أبناء احدى المناطق اليمنية المهدور دمها وحريتها وحقها في العيش الكريم!
وفي تاريخ اليمن القديم والوسيط، حكمت النساءُ الرجالَ خير حكم. وقد كان حكمهن رشيداً حقاً من قبل ظهور مصطلح ومفهوم الحكم الرشيد بمئات السنين. ولو وُضِعت بلقيس وأروى ومن في حكمهن من حكيمات اليمن في كفَّة وجميع من حكم اليمن-  عبر التاريخ -من مكانة ملك الى مستوى مدير ناحية في كفَّة أخرى، لرجَّحت كفَّة تلك التي لم تستطع يوماً أن “تشخ من طاقة”.
الأخ صالح الذي احتقر “المسرولات” و”المبنطلين” على السواء، وفتح ذراعيه وخزائنه لذوي الشوارب واللحى طوال عهده، غدره رجاله وكَبَتْ به خيوله وفرَّت عنه قبائله، فيما ظلت النساء تبكيه بحُرقة وتخرج إلى الشوارع تهتف بحياته حتى بعد مماته تحت تهديد الأهوال الشداد، مثلما نصرت النسوة شيخ مشايخ حاشد واعتصمن حوله ازاراً من بسالة ودثاراً من نبالة يوم أهانه عيال الحوثي. 
في الأيام التالية لمصرع صالح، ظهر رجاله على الشاشات والصفحات في أحلى الحُلَل وأغلى البِدَل، بينما بدت فائقة السيد في أكثر صور الحزن والانكسار تراجيدية، وكأنَّها هند بنت عُتبة يوم جاءها نبأ مصرع أبيها وأخيها وعمها في ضربة واحدة يوم بدر، أو لعمري كأنَّها الخنساء يوم نكبتها بأخيها صخر، وقد كان صالح صخراً حقاً في روح بنت السيد.
وطوال الأشهر التالية، ظل رجال صالح ينظرون إلى بنت السيد كمن ينظر إلى دليل ساطع وبرهان قاطع على رجولته الممرغة في وحل الهوان الكبير. كانت فائقة هي الرجل العفاشي الوحيد الذي استطاع أن يشخ من طاقة الطوق، يوم راح ذلك الطوق يضع طوقاً حول عنقه لن يستطيع الفكاك من عاره وشناره إلى بعد يوم القيامة بثلاث ليال متتالية.
تصادقتُ وفائقة كثيراً وطويلاً.. ثم تبادلنا المُلاسنة والمُلاعنة كثيراً وطويلاً.. وكانت المواقف تجمعنا ثم تفرّقنا منذ زمن بعيد.. لكنني ظللت أعترف على الدوام بأن فائقة السيد أحمد باعلوي امرأة بعشرة آلاف رجل من ايَّاهم، أولئك الذين لا يستطيعون أن يفخروا بشيء في حياتهم كلها سوى أنهم “شخُّوا من طاقة”!
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى