الحقيقة لا تقال اليوم
حاضرنا هو نتاج لماضينا، نتاج سلسلة متبادلة من ردود الافعال المثخن بالجراح والتراكمات، و تفريخ للمشكلات، الكل شركاء في ما حدث سلبا وايجابا، شركايتجنبون التحليل العلمي والتحقيق المهني في جوهر المشكلة، ويلعبون دور الضحية السلبي، لم يخاطبها الضمير ندما بعد، فتأخذ بالنتائج وتأجج التداعيات باستمرار سلسلة ردود الافعال الضارة، بضرر اثخان كاهل الشباب الواعد بالثأر والانتقام ليبقى مصدر تغذية للمشكلة، غير قادر على انتاج حلولا ناجعة.
الحقيقة لا تقال اليوم، كل ما يروج له هي أحداث مبتورة تخدم دور الضحية وتغرر الناس، لتعيق الحل الوطني، وتستهدف الجيل الصاعد والواعد لتثقل كاهله ليعجز عن ردم الهوة ورأب الصدع وبنا جسور الثقة في المجتمع لينهض.
الحقيقة تكمن في الأحداث منذ الاستقلال المجيد الذي لم يدوم غير أشهر، وبدأ مسلسل التصفيات والضحايا، والاستئثار بالسلطة، وفرض الفكر والايدلوجيا، واجتثاث الآخر، وصك الوطنية ولائحة الاتهام والتخوين.
العصبية والتطرف والغلو ينتج رد فعل بالمثل، ضحايا الأمس، وجدوا مبرر طغيانهم اليوم، وضحايا اليوم سيجدون مبرر طغيانهم غدا، والكل ضحية البداية الخاطئة للمسيرة الوطنية التي أوجدت التراكمات، والكل يأخذ بالنتائج ويتجنب جوهر المشكلات، لأن في جوهر المشكلة حقيقة تدينه وتكشف مخططاته.
هل يدرك شباب الثورة اليوم انه الأمل، ويستهدف كأمل للمستقبل، يلطخ بلعنة الماضي، مشحون بكم هائل من المغالطات والشائعات والتزلف، يطلب منه أن يأخذ بالثأر دون اختيار، محروم من البحث والتحري لتتضح له الصورة كباحث عن الحقائق ليختار مواقفه بمسئولية.
أكثر ازعاجا في الواقع اليوم، هو حال الجيل الواعد، صاحب المصلحة الحقيقية في المستقبل المنشود، وهو أكثر حرصا على بلوغ مستقبل خالٍ من منغصات الماضي، من إراقة الدماء وسقوط ضحايا، واستمرار مسلسل الصراعات والحروب والتناحر، يكفي أن ينظروا لآبائه وأجداده وتاريخهم الدموي ويتعظون.
لماذا يتخلى الشباب عن حقهم في هذا الثورة؟ ليترك للكهول العابثين بالماضي يعبثون بالحاضر والمستقبل، لماذا يلغي هذا الشباب حقه في البحث والتحري والتحقيق العلمي المحايد في جوهر المشكلة؟ حتى يستطيع أن ينتج حلولا ناجعة، لا أن يبقى قابعاً في المشكلة ذاتها يردد ما يقوله جيل الماضي كالببغاء، ويقبل أن يكون تحت وصايتهم وأداة من أدوات صراعاتهم السلبية.
على الشباب ان يتحرر من وصاية جيل الأمس البائس، أن يتحرر من ماضيه المثخن بالجراح، وأن يستقل في اختياراته ومواقفه، ليخرج من إطار المشكلة ليصنع حلا ناجعا، دون ذلك سيبقى جيل مأسور للماضي، للعصبية الجاهلية، للمناطقية والطائفية، للصراعات الأيدلوجية، للثارات والأحقاد، ومن صعب عليه أن ينتج مستقبله المختلف والواعد بالتغيير والنهضة والتقدم، ليكون جيل محترم في وطن محترم وامة محترمة لها مكانتها بين الامم.