حروب وحدوية!!

بلال الطيب

لم تكن الوحدة أكثر من شعار مَرحلي أخاذ، سعى القادة السياسيون من خلاله إلى دغدغة عواطف اليمنيين، ليخف ذلك الحماس مع بدء العد التنازلي لجلاء الإنجليز، عقدت «الجبهة القومية» مؤتمرها الأول «يونيو1965م»، وأشارت في ميثاقها الوطني إلى الوحدة باقتضاب، وأكدت على ضرورة تحقيقها على أسس شعبية سليمة تتفق وتوجهها، ذات الموقف تبنته أيضاً «جبهة التحرير»،  لم تكن الوحدة أكثر من شعار مَرحلي أخاذ، سعى القادة السياسيون من خلاله إلى دغدغة عواطف اليمنيين، ليخف ذلك الحماس مع بدء العد التنازلي لجلاء الإنجليز، عقدت «الجبهة القومية» مؤتمرها الأول «يونيو1965م»، وأشارت في ميثاقها الوطني إلى الوحدة باقتضاب، وأكدت على ضرورة تحقيقها على أسس شعبية سليمة تتفق وتوجهها، ذات الموقف تبنته أيضاً «جبهة التحرير»، ولم يكن للخلاف الدائر بين الفصيلين علاقة بذلك؛ فكلاهما كانا يسعيان إلى إقامة دولة مُستقلة في الجنوب، تكون طرفاً في حوار مُباشر مع الشمال.    
بدأت حينها مَطامع السوفيت في السيطرة على الجنوب تتبدى، أفصح وزير خارجيتهم عن ذلك «29مارس1967م»، وصرح من مدينة القاهرة قائلاً: «يجب العمل على إنشاء دولة اشتراكية مُستقلة في هذه المنطقة، وأن الاتحاد السوفيتي يحتفظ لنفسه بحق التصرف تجاه أي حل تقرره الأمم المتحدة تجاه مُشكلة الشرق الأوسط، وخصوصاً عدن»، شاركه وزير الدفاع المارشال «أوستينوف» ذات التوجه، وقال مُهدداً: «إن احتمالات نشوب حرب عالمية ثالثة قد تتزايد بدرجة كبيرة إذا لم نستحوذ على اليمن الجنوبي».    
ألقى الصراع القُطبي بظلالة على الخارطة المُفخخة، سيطر السوفيت على الجنوب، فيما دخل الشمال تحت مَظلة الوصاية «السعودية – الأمريكية»، وفي خضم ذلك التحول، لم يتم تبادل السفراء بين الشطرين؛ على اعتبار أنَّ الوحدة تبقى خياراً قابلاً للتنفيذ، مع فارق أنَّ كل طرف يريدها مُفصلة على مقاسه.
زادت القطيعة، وحلَّ الشقاق، وطغت لغة الضم والإلحاق، ولم يعد التنقل بين الشطرين مُتاحاً كما كان في عهدي الأئمة والإنجليز، والأدهى والأمر من ذلك أنَّ الوحدة صارت مصدر مشروعية النظامين، تغنى قادتهما بها، واتهموا بعضهم بعضاً بعرقلة تحقيقها، ومن أجلها أشعلوا الحرب، وسفكوا الدماء.     
في أول خطاب له بعد أن أصبح رئيساً، قال قحطان الشعبي أنَّه مُستعد لإعلان الوحدة إذا كان الأخوة في الشمال عندهم نفس الاستعداد، رد الرئيس عبد الرحمن الإرياني عليه بخطاب مماثل، عبر فيه عن استعداده للتنازل عن الرئاسة، وما على «قحطان» إلا أن يتوجه إلى صنعاء ليتسلم مقاليد الحكم، وبين الخطاب والخطاب المضاد برزت نبرة «استعطاف الجماهير»، وظلت بشعاراتها الجديدة مُستحوذة على المشهد.    
انقلب «الرفاق» على «قحطان»، حلَّ سالم ربيع علي محله «22يونيو1969م»، هرب المقصيون الجُدد شمالاً، انظموا إلى أقرانهم من أعضاء «جبهة التحرير»، ووصل عددهم إجمالاً إلى أكثر من «80,000» نازح، دعوا إلى تحقيق الوحدة بالقوة، وحظو بدعم كبير من قبل النظام الشمالي، والسعودية، وكانت منطقتا «البيضاء، والوديعة» نقطة انطلاق عملياتهم العسكرية.
بازدياد تدفق المقصيين من الشمال صوب الجنوب، والعكس؛ استعرت المناوشات الحدودية، لترتفع وتيرتها بعد تحقق المصالحة الوطنية بين الجمهوريين والملكيين، وفي تعز حدث لقاء ودي بين رئيسي وزراء الشطرين للتهدئة «نوفمبر1970م»، وتم الاتفاق على تشكيل لجنة مُشتركة لإعداد وتحضير المشاريع الوحدوية المُزمع مُناقشتها.
نهاية ذات الشهر، غير الجنوبيون اسم دولتهم من «جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية»، إلى «جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية»؛ اعترض الوفد الشمالي على ذلك، وانسحب من الاحتفال الخاص بذكرى الاستقلال، ليقوم أواخر العام التالي وفد جنوبي بزيارة مدينة تعز، ولم يصل وأقرانه الشماليين إلى نتائج مُرضية.
«المشايخ المُتحولون» انتكاسة كبرى اعترضت مسار «الجمهورية السبتمبرية»، ولولاهم ما استمر مخاضها لثمان سنوات، «جمهوريون» في النهار، «ملكيون» في الليل، وحين افتضح أمرهم قاتلوا في صف من يدفع أكثر، استدرجت القيادة الجنوبية «65» شيخاً منهم لفخ «الارتزاق الجديد»، جُلهم من خولان؛ وفي بيحان الحدودية، وعلى مائدة غدائهم الأخير تمت تصفيتهم جميعاً «21 فبراير 1972م»، وكان من أشهر الضحايا ناجي الغادر، الشيخ الذي عاش غادراً، ومات مغدوراً به. 
اكتفى الرئيس الإرياني بالإدانة، وألقى خطاباً تهديئياً قال فيه: «فليأت الأخ سالم ربيع علي إلى صنعاء رئيساً لمجلسنا الجمهوري، لنكون حكومة واحدة، وليأخذ إخواننا في الجنوب كل ما يشتهون من مناصب في حكومة الدولة الواحدة..»، ثم عاد فاستدرك: «لكنهم يعتذرون عن الوحدة؛ تارة باختلاف المنهج السياسي والاقتصادي، وتارة لعدم توفر الظروف الموضوعية، وأحياناً بأن لهم برنامجاً ثورياً خاصاً..».
أصر غالبية مشايخ «اليمن الأعلى» وبدعم سعودي كبير على الأخذ بالثأر، استغل الجنوبيون المقصيون ذلك؛ وأعلنوا عن تأسيس «الجبهة الوطنية المُتحدة» «3سبتمبر1972م»، ودعوا بحماس إلى «سرعة وحدة الشطرين بالوسائل السلمية او الحربية»، لتشتعل مطلع الشهر التالي الحرب، قتل كثير منهم، وقتل أيضا بعض أفراد القبائل بنيران صديقة؛ فكان النصر جنوبي. 
بعد يومين من اندلاع الحرب، وقبل إعلان نتيجتها، اجتمع «مجلس الشورى» في صنعاء، وأكد أعضاؤه «أن الوحدة الفورية لشطري اليمن هي الحل الجذري الوحيد للقضاء على الحدود المصطنعة»، فيما عقد «الحزب الديمقراطي الثوري» – كيان المقصيين الشماليين في الجنوب – مؤتمره الثاني في مدينة زنجبار، وخرج بعدة أهداف، أهمها: «تحقيق الوحدة اليمنية بمنظور وطني ديمقراطي، وإسقاط السلطة في الشمال».
استمراراً لمساعيها في التهدئة؛ عملت الجامعة العربية على رأب الصدع، وجمعت بعد «26» يوماً من استعار المواجهات بين رئيسي وزراء الشطرين علي ناصر محمد، ومحسن العيني، فكانت «اتفاقية الوحدة»، التقى الرئيسان الإرياني وسالمين أواخر الشهر التالي في ليبيا، فكان «بيان طرابلس»، تم الاتفاق على مسمى الدولة، والعاصمة، والعلم، مع التأكيد على ضرورة الإسراع في تنفيذ «اتفاقية القاهرة»، والتي نصت على تحقيق الوحدة خلال عام واحد.
أفصحت القوى القبلية عن معارضتها لتلك الاتفاقية، دون طرح البديل، زادت ضغوطاتها على محسن العيني؛ فقدم الأخير نهاية ذات العام استقالته، حلَّ عبدالله الحجرى – رجل السعودية الأول في اليمن، وأحد الملكيين العائدين – بدلاً عنه، قام الأخير بإيقاف أعمال اللجنة المكلفة بمناقشة بنود الوحدة؛ لتتجدد بفعل ذلك المواجهات العسكرية في «المناطق الوسطى».
استغل «المجلس الجمهوري» حادثة اغتيال الشيخ محمد علي عثمان «31 مايو 1973م»، وأرسل في اليوم التالي وفدين رفيعي المستوى إلى عدد من الدول العربية، لشرح الموقف المتأزم، ولطلب المساندة، وكما بدأ الوفد الأول جولته بالرياض ختمها أيضاً بالرياض، وهناك خاطب الأمير سلطان بن عبدالعزيز الشيخ سنان أبو لحوم قائلاً: «أنتم متناقضون وغير موحدين، وكل فئة منكم لها رأي، وعندكم أغلب المسؤولين مع الاشتراكيين، وأنتم الذين في الواجهة أيضاً مُنقسمين.. وأظنك تعرف ما أعني، فالشيخ عبدالله وإبراهيم الحمدي في جانب، وعبدالرحمن الإرياني ومحمد الإرياني في جانب، وأنت ومن تبعك تقفون في الوسط».
تعمق الخلاف بين الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، وبين الرئيس الإرياني، غادر الأخير اليمن صوب سوريا، وهدد من هناك بتقديم استقالته، ليتراجع بعد مرور شهرين عن ذلك، توجه إلى الجزائر، والتقى على هامش قمة «دول عدم الانحياز» بالرئيس سالمين «4سبتمبر1973م»، وحلَّت لغة تهيئة الأجواء بدلاً عن لغة التعجيل.
لتحريك مياه الوحدة الراكدة؛ قام الرئيس سالمين بزيارته الأولى كرئيس جنوبي للشمال، استقبله الرئيس الإرياني بالراهدة «10نوفمبر1973م»، ودخلا سويا مدينة تعز وسط ترحيب كبير من قبل الأهالي، وانطلقا في اليوم التالي صوب مدينة الحديدة، وأهم ما ميز لقاءهم الثالث والأخير الاتفاق على تذليل ما قد يعترض طريق اللجان المُشتركة من مصاعب، وطرح «الفيدرالية» كخيار قابل للتطبيق.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى