الحقيقة المرة اننا سنتقاتل، إاذا بقى الاستبداد والظلم والقهر جاثما على صدورنا، الوطن يئن، حزين مكلوم ومجروح، يبحث عمن يداويه، عمن يتحسس أوجاعه ويخفف من ألمه، يئن من ابنائه الذين يقتصون منه وينتقمون كأعداء، لم يعوا بعد أنهم فيه شركاء مع عدد من الأطياف والأعراق والثقافات والتوجهات السياسية والفكرية، عاجزين في التخاطب والتعامل مع الآخر بلغة مشتركة وجسور من الثقة وروابط الاخاء والتسامح والمحبة.
انه العجز والفشل، هو الشر بذاته المنشغل باختلاق المشكلات، والنكاية والوشاية والمهاترة، صلف لا يرى حقائق جذور المشكلات، بل يأخذ من نتائجها حججه ومبرراته، ليشبع رغباته وقناعاته في تأجيج الخلافات، واثارة النزعات، لمزيد من التصدع والشروخ الاجتماعية والوطنية، مشتت الجهود وممزق الصفوف، على خطى المبدأ الاستعماري (فرق تسد).
اسمع كثيراً من هذا النوع من البشر، وهم يبحثون في قمامات وركام مخلفات الماضي اللعين، ليستدعوا بعض تلك المشكلات، قال احدهم إن الشماليين يقولون إن الجنوب إذا انفصل سيتقاتل، حتى وإنْ وجد هكذا عبارة في مزبلة ماضينا المثخن بالجراح، فمشكلته في التعميم، ليجعل الجغرافيا هي المشكلة، ليكون الانفصال هو الحل، مع أن الانفصال حق كما للوحدة حق، وكلاهما يخضعان للحرية والاختيار، لا يفرضان بالعنف، بتلك الدسائس والمغالطات، لم تكن الوحدة حلا سحريا، ولن يكون الانفصال حلا سحريا يقدم على طبق من ذهب. الحل السحري في أن نبحث علميا عن جوهر المشكلات لنبني عليها حلول جذرية، توقف هذا النزيف وتصنع توافق يلبي تطلعات وطموحات الناس.
جوهر المشكلة هي ذات الجرثومة التي نخرت الشمال وأدخلته في قتال وسحل الشرفاء والمناضلين في اغسطس 1968، والمناطق الوسطى وحروب صعدة، وحكم وطغيان عفاش، وهناك فرق بين عفاش والشمال، الجرثومة نفسها التي جعلت الرفاق يسحلون رجال الدين ويتقاتلون في أحداث سالمين ويناير المشئوم، وهناك فرق بين الرفاق والجنوب، وما انتجته تلك الصراعات من تراكمات، ومبررات للانتقام وتصفية الحسابات التي فجرت حرب 94 المشؤمة، وهي ذات العقلية التي تنتقم اليوم وتسحل وتغتال وتغتصب ويتقاتل بسببها الأغبياء، وهناك فرق بين ما يحدث والجمهورية والثورة وحتى الوحدة، القضية تكمن في الجرثومة الجاثمة على الجغرافيا لا جغرافيا نفسها.
تلك الجرثومة هي الاستبداد الديني والسياسي، الذي يجعل العنف أداته في حسم المواقف ليفرض امر واقع على الجميع ان يتقبله بخنوع واستسلام، أو مصيرهم الاجتثاث والاتهام والتكفير والقتل والاغتيالات، جرثومة تعشش في عقلية منتقمة عنيفة، تهدد وتتوعد لكل من يخالفها ويختلف عنها، ترى انها الحق وغيرها باطل، هي النزاهة والشرف وغيره فاسد وعميل، عقلية تحدثنا عن الحرية والعدالة ويدها على زناد بندقيه موجهة لصدورنا، عقلية البسط والنهب والاستباحة والانتهاك وعسكرة الحياة وملشنتها بمناطقية وطائفية وجهوية.
من لا يملك الحجة والمنطق، وغير قادر على ان يقدم الأفضل، يعمل على توصيف المشكلات لخدمة فكرته، وأكثر خدمة للفاشلين الصراعات الطائفية والمناطقية والعقائدية، الأكثر دمارا وخراب للمجتمعات والأوطان، يتمكنوا من خلالها الحشد والتحريض والتأليب، في مجتمع تسود فيه العصبية والتخلف، ويسهل من خلال ذلك إثارة فوضى عارمة.
جوهر القضية هو كيف نوقف هدر الدماء وصون كرامة الناس وعرضهم وحقوقهم وحقهم بالحياة، هي الدولة الوطنية والمواطنة والعدل والحرية على الأرض، في أي جغرافيا ولأي منطقة او طائفة، لنعالج الجروح ونرمم الشروخ ونوقف التصدع، وننقذ وطن، كفى قتل واغتيالات، واحكام صورية في تجاوز النظم والقوانين والدستور، وتغييب للقضاء والنيابة، ايادي اثمة تنتهك وتغتال وطن، أرض، وانسان.
الحقيقة المرة اننا سنتقاتل، إاذا بقى الاستبداد والظلم والقهر جاثما على صدورنا، والعنف لفرض أمر واقع على الناس تقبله، سنتقاتل ما لم نبحث عن لغة مشتركة تقربنا من بعض، وتفتح افاق اوسع للآخر ليمارس حقه، ونوجد جسور ورابط للثقة بيننا، ونخضع لعقد اجتماعي يحكم العلاقات ويضبط ايقاع الحياة، نعم سنتقاتل إذا أراد البعض أن يجمع الناس تحت عباءته، ويحاورهم وفق مزاجه السياسي دون أن يضع أي اعتبار لأمزجتهم،
سئمنا تقزيم الامور وتحجيمها وقولبتها مناطقيا وطائفيا بقناعات مشوهة, بمرتكزات الكراهية والأحقاد والضغائن وتعميق الجروح بين الشمال والجنوب، بين الطوائف والمناطق، ابتلينا بسياسيي الغفلة في إحداث مزيد من التصدع لوطن، ومزيد من الشروخ الاجتماعية والسياسية.
معركتنا اليوم مصيرية ضد كل مستبد وطاغٍ ومنتهك ضد العنف وعسكرة الحياة وملشنة الواقع، معركتنا لترسيخ الدولة الوطنية دولة المواطنة والحرية والعدالة، قيم ومبادئ لا تفريط فيها، يجب أن تكون نبراس لطريق المستقبل، كلام فارغ الذي يبيع الوهم والوعود الكاذبة يريد من الناس أن ترضى به و تخضع لسلطته اولا، والثمرة في علم الغيب يا حامض يا حالي ونحن ونصيبنا.. شعب قد اكتوى بنار الوهم والوعود الفضفاضة والمدينة الفاضلة، شب عن تجريب المجرب الفاشل، يريد مشروع واضح محدد الأركان والاسس والمعالم وبائن من أول المشوار، نريد مٌثل، يقدم نفسه لنا اولا كمثال يلبي تطلعاتنا السياسية والثقافية والفكرية على أرض الواقع , يقدم مؤشرات المستقبل نضوجا ونهضة ورقي في التعامل كشركاء في وطن، نريد الالتزام بالنظم والقوانين، نريد قيم المواطنة والحرية والعدالة تعلوا ولا يعلى عليها، ما نراه اليوم غير مطمئن، وكفى المؤمنين شر القتال.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.