اليمني عادل الذرحاني: التشكيلُ في مهمة ثقافية
يؤكد الذرحاني مدى حرصه على تطوير مشروعه الريؤي، في علاقته بهُويته الثقافية يمن مونيتور/القدس العربي
على الرغم من امتداد تجربته الفنية مع اللوحة لزهاء ثلاثة عقود، بقي التشكيلي اليمني عادل الذرحاني مُكرِساً اهتمامه على ما يعتبره مَهمَة ثقافية للتشكيل، تستهدف الارتقاء بوعي المجتمع ومواجهة تناقضاته عبر التأكيد على مكانة العقل والعلم.
بقيت أعمال الفنان علي الذرحاني، انطلاقاً من تلك الرؤية، محدودة، ولم يُنظم حتى الآن سوى معرضين شخصيين أحدهم توعوي ضد القات (عشبة يتناولها معظم اليمنيين وقت الظهيرة وتصنفها بعض الدول كمخدر)، بالإضافة إلى مشاركات عديدة في معارض جماعية محلية ودولية، لكنه يقول إن «التشكيل مازال الرئة التي أتنفس منها»، كما «أنني أركز على إبداع يترك أثراً لمدة أطول في الحياة»، يقول عادل لـ»القدس العربي»، مفسراً إقلاله من تنظيم معارض شخصية، متحدثاً، في السياق ذاته، عن تنوع تجربته الفنية بين (التشكيل والكاريكاتير والخط)، «وإن كان انتمائي يبقى للتشكيل».
على صعيد الخط العربي عَملَ الذرحاني على نشر دروس تعليمية مطبوعة لطلاب المدارس في مدينة عدن، حيث يُقيم ويعمل مديراً للفنون التشكيلية في مكتب الثقافة هناك. دَرس الفنان الذرحاني في الفنون الجميلة، تخصص تصميمات مطبوعة (غرافيك) في جامعة حلوان المصرية، وتخرجَ هناك في عام 1987، كما نال في الإسكندرية دبلوماً في الخطوط العربية، وله بجانب التشكيل والخط أعمال كاريكاتيرية. والمتأملُ في بعض أعمال هذا الفنان سيجدُ تداخلاً بين هذه الفنون، على سبيل المثال، وبالإضافة إلى وجود أعمال يتداخل فيها التشكيل برسوم كاريكاتير، نجده في بعض موضوعات أعماله التشكيلية يعتمد نبرة ساخرة، وهو لا ينكر تأثره تشكيلياً ـ هنا- بالكاريكاتير.
السخرية
في ما يتعلقُ بتجربته مع الخط فتأثيرها واضح في لوحته التشكيلية، خاصة في ما يتعلق بانسجام الأشكال وتوظيف المساحات وضبط إيقاع الأضواء والظلال. وعموماً فإن فن الخط العربي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بفن التشكيل الحديث، من حيث جمالياته التي تعكسها استخداماته المتطورة في التراث الإسلامي، حتى أصبح للحروف العربية اتجاهاً خاصاً في فن التشكيل يُعرف بالحروفيات، التي تمثل أبرز ثيمات الاشتغال الصوفي في الفن التشكيلي العربي. وتعكس بعض الأعمال الخطية والحروفية للفنان الذرحاني المستوى المتطور في تجربته مع التشكيل الحروفي والخطي واللوني، خاصة في اللوحة التي أعاد فيها الاشتغال التشكيلي على شكل اليد خطياً، وفق تقسيمات تجريدية مدهشة للون والشكل والفراغات والمساحات؛ وهو اشتغال يؤكد مدى براعته في هذا المجال؛ الأمر الذي استفاد منه في تجربته التشكيلية عموماً، والذي يظهر في عددٍ من اللوحات، بما فيها تلك التي اشتغل فيها على بعض ملامح الحضارة اليمنية القديمة كثيمة ميزت عدداً من لوحاته خلال فترة مبكرة من تجربته، ارتبط فيها بتراث بلاده تشكيلياً، مثل بعض الفنانين اليمنيين؛ ومن أبرز تلك الأعمال في هذه التجربة تلك اللوحة التي اشتغل فيها على بعض مظاهر ومعالم الحضارة اليمنية القديمة، التي تمت معالجتها تشكيلياً في لوحة واحدة، اختزل فيها مراحل وأزمان وتحولات في الهُوية والحضارة اليمنيًة القديمة.
في المراحل التي مرت بها تجربته يؤكد الذرحاني مدى حرصه على تطوير مشروعه الريؤي، في علاقته بهُويته الثقافية من جانب ومدى استشعاره لمَهمته التشكيلية في خدمة ثقافة مجتمعه، من خلال مواجهة تناقضاتها الحياتية من جانب آخر، كما يقول.
مشروعه الرؤيوي يتلخص «في كشف جوهر التناقض داخل العقل الجمعي، من أجل الإسهام في تحقيق وعي معرفي بالتناقضات في ثقافة المجتمع، كفكر العيش في الحاضر بلباس الماضي.
بدأت تجربة الذرحاني، كما يقدم نفسه، بتقليد أعمال فنانين عالميين، ومن ثم بدأ الغوص تدريجياً في الأعمال التعبيرية الرمزية ممتزجة بالفانتازيا والخيال المفتوح على رؤى أوسع، لكن على الرغم من ذلك التجريب الذي يمارس فيه هذا الفنان مزجاً بين عدد من الاتجاهات الفنية، إلا أن قراءة معظم أعماله تبقى واضحة، ومن السهل الإمساك بموضوعها؛ وإن كان في بعضها يغلقها تماماً على الفهم، لكن معظمها ـ كما سبقت الإشارة تبقى واضحة ومباشرة لدرجة تبدو وكأنها توعوية؛ وهي مَهمة يرى البعض أن الفن التشكيلي قد تجاوزها.
المعالجة المباشرة
«التشكيل المعاصر وفنون ما بعد الحداثة هي مزيج من اتجاهات فنية مختلفة وفنون متعددة وتقنيات متداخلة، ونحن مازلنا بعيدين عنها، لكنني متعطش لأسلوب التجريب الواعي لا العشوائي الذي لا يحمل مشروع رؤيوي أو كشف صوفي»، يضيف الذرحاني، مدافعاً عن معالجاته المباشرة لموضوعاته «بخصوص المعالجة المباشرة التي لمستها في أغلب أعمالي، هي تعبير عن إيماني بأن للفن دور اجتماعي وتهذيبي وتربوي وتوعوي يهدف للسمو بذائقة المجتمع… ومجتمعنا في اليمن يُعاني في معظمه، من أمية معرفية وعلمية وثقافية وفكرية، فما بالك بالأمية البصرية بلغة التشكيل الحديث والمعاصر.. هذا الفن الذي هبت رياحه من جهة الغرب، وبالتالي لابد من أن أعبر بلغة فنية واضحة يفهمها مجتمعي وبواسطتها أخذه تدريجياً من التشخيصي الموضوعي المباشر إلى التجريد العقلي اللاموضوعي، حتى لا يُقال إنني أعيش في بُرج عاجي من الانبهار بتقليد الغرب المتقدم، وأنا لم أهضم بعد المراحل التي مرّ بها الغرب من التشخيص المباشر إلى التجريد والتنزيه العقلي غير المباشر». وأضاف «مازلتُ مؤمناً بدور الفن في تهذيب المجتمع وإصلاحه، كما أن مجتمعنا مازال بحاجة لرفع مستوى ذائقته الفنية؛ لأن الحياة الحقيقية يصبغها ويلونها الفن».
وأشار إلى أن مشروعه الرؤيوي يتلخص «في كشف جوهر التناقض داخل العقل الجمعي، من أجل الإسهام في تحقيق وعي معرفي بالتناقضات في ثقافة المجتمع، كفكر العيش في الحاضر بلباس الماضي، والزعم أن لدينا علما حقيقيا ونحن نؤمن بالخرافة والأساطير، الخ وهو ما جسدتُه في عددٍ من أعمالي» يقول، «مجتمعنا يعيش في تناقضات كثيرة، بما فيها الحرب فمَن يقودونها يدعون حب الوطن والحفاظ على سيادته بينما هم يدمرونه، وهذا نتاج خلل ثقافي يعيشه الفرد نفسه، وهذه جزئية مما أحاول ترجمته ومعالجته في أعمالي».
ينتمي الفنان الذرحاني للجيل الثاني في المحترف التشكيلي اليمني، وتمتد تجربته الفنية إلى تصميم الملصقات التوعوية، والتي فاز فيها بعددٍ من الجوائز.