يمنيون عالقون في الحرب.. وحلم اللجوء لأوروبا صعب المنال (تقرير)
مأساة اليمنيين وخصوصا الفقراء منهم لا تتوقف عند عيش ويلات الحرب بل تتفاقم معاناة الكثيرين منهم إلى عدم القدرة على الفرار من الحرب ومغادرة البلاد بحثا عن الأمان أو اللجوء.
دويتشه فيله
مأساة اليمنيين وخصوصا الفقراء منهم لا تتوقف عند عيش ويلات الحرب بل تتفاقم معاناة الكثيرين منهم إلى عدم القدرة على الفرار من الحرب ومغادرة البلاد بحثا عن الأمان أو اللجوء.
وبسبب ارتفاع تكاليف الهجرة وتحكم قوات التحالف العربي بممرات اليمن البرية والجوية والبحرية بهدف منع وصول إمدادات عسكرية لقوات «صالح والحوثي»، التي بدورها تغلق منافذ برية أخرى، فإن هذه الأسباب تصد أبواب الهجرة أمام كثير من اليمنيين وتمنعهم من الرحيل خصوصا بعد تفاقم الأوضاع المعيشية وتصاعد وتيرة العنف في مختلف مناطق البلاد.
عمار عبدالواسع شاب يبلغ من العمر 20 عاما فر من الحرب الدائرة في منطقة شَبْوَة جنوب اليمن إلى صنعاء وفقد مستقبله التعليمي ولم يعد يستطيع مواصلة الدراسة، «الحرب أوقفت كل شيء، فلم يعد هناك جامعات أو مدارس مفتوحة، وأنا هنا نازح، وعالق ولا أستطيع مواصلة تعليمي أو الهجرة خارج البلاد، ولا أمتلك المال».
ويضيف في حديث لموقع DW عربية قائلاً: «نحن هنا مجبرون على عيش مأساة الحرب ولا يوجد طريق سالك للمغادرة ولا يستطيع الرحيل إلا الأثرياء». وبنبرة صوت حزينة مليئة باليأس يقول عمار إن الكثيرين من أقاربه قتلوا في الحرب في مدينة تعز جنوب اليمن وآخرون فروا من الحرب إلى إحدى ضواحي المدينة ولا يزالون هناك عالقون وأوضاعهم صعبة للغاية.
وتقول مفوضية الأمم المتحدة للاجئين أن هناك ما يقرب من 1.5 مليون شخص فروا من مناطقهم إلى مناطق أخرى داخل البلاد وأوضاعهم صعبة وهم في حاجة إلى مساعدات طارئة، فيما يقول رئيس الصليب الأحمر الدولي إن حدة الصراع في خمسة أشهر فقط جعلت من اليمن يبدو مثل سوريا بعد خمس سنوات.
ويواجه اليمنيون الساعون للفرار من الحرب ومغادرة البلاد عوائق كبيرة تمنعهم من الهجرة والبحث عن لجوء وخصوصا بعد الحظر الجوي والبحري الذي فرضته منذ 26 مارس 2015 قوات التحالف العربي بالاتفاق مع الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا. وبات لا يوجد سوى طريق جوي تجاري واحد مفتوح: رحلة واحدة يوميا من صنعاء إلى العاصمة الأردنية عمان.
وتفرض قوات التحالف على جميع رحلات الطيران المغادرة من صنعاء إلى عمّان الهبوط في مطار بيشة المحلي في منطقة عسير السعودية بهدف إخضاعها للتفتيش ومن ثم السماح لها بالتوجه إلى العاصمة الأردنية، مما يزيد من القيمة المادية لتذاكر السفر ويطيل من وقت الرحلة، في حين يسافر آخرون براً عبر الحدود الشمالية مع السعودية ولا يمكنهم العبور إلى خارج البلاد إلا عبر منفذ الوديعة الرابط بين البلدين والذي تشرف عليه قوات التحالف، فيما المنافذ الأخرى مغلقة من قبل قوات «صالح والحوثي».
ويتكدس في هذه المنافذ آلاف اليمنيين المهاجرين الفارين من الحرب، ويزدحم مكتب حجز التذاكر في صنعاء بالأشخاص الذين يحاولون الحصول على مقعد في رحلة طيران مغادرة إلى العاصمة عمان، «وإن تمكنت من حجز مقعدك فلن تستطيع المغادرة سوى بعد عدة أسابيع وستكون رحلتك مرهقة ومكلفة.
شاكر أحمد خالد يبلغ من العمر35 عاما وهو واحد من بين مئات اليمنيين الذين يسعون إلى الهجرة والوصول إلى تركيا يقول أثناء التقاء DW عربية به في مطار صنعاء: «جئت إلى مكتب الخطوط الجوية اليمنية آملا في الحصول على تذكرة سفر وحجز مقعد، اعتزم الرحيل فلم أعد أستطيع البقاء في الوطن، الحياة لم تعد آمنه وبيئة العمل منهارة تماما.. ولكني حتى الآن لم أستطع المغادرة وتكاليف السفر باهظة».
وتصل تكلفة تذكرة السفر الواحدة عبر الخطوط الجوية اليمنية إلى 700 دولار أمريكي، في حين لا يستطيع أي من اليمنيين التوجه إلى أي من بلدان العالم إلا بعد الحصول على تأشيرة سفر من سفارة البلد الذي يرغب المسافر التوجه إليها، في البلدان المجاورة.
يراود شاكر هواجس بالهجرة عبر البحر إلى أي من الدول الإفريقية ومن ثم التوجه إلى تركيا لكنه قلق من الرحلة عبر القارب وهي محفوفة بالمخاطر كما أنها أيضا مرتفعة التكاليف ولم تعد سهلة، كما يقول.
ويجازف كثير من اليمنيين بالفرار من الحرب عبر البحر وخصوصا الأهالي قاطني المناطق الجنوبية القريبة من البحر وبالذات أهالي محافظة تعز التي تشهد حاليا حروبا ساخنة بين الحوثيين والقوات الموالية للرئيس هادي المعترف به دوليا، ويمثل ميناء المخا المنفذ الساحلي القريب لهذه المدينة.
محمد حلمي أحد المهربين يروي لموقع DW عربية قائلا: «كثيرا ما يشهد ميناء المخا هذه الأيام موجات نزوح مع اشتداد الصراع في محافظة تعز ويهاجر ما يقرب من 400 شخص يوميا وذلك عبر قوارب وسفن متوسطة إلى الصومال وجيبوتي». ويضيف، رسوم تهريب الفرد الواحد إلى دولة الصومال تصل إلى 50 دولاراً أمريكيّاً، بينما إلى جيبوتي تصل رسوم التهريب إلى 90 دولارا، مشيرا إلى أن رحلة التهريب من اليمن إلى الصومال تستغرق 16 ساعة، بينما إلى جيبوتي 12 ساعة.
ويراود كثير من اليمنيين آمالا بالهجرة إلى أوروبا وخصوصا الشباب ولكنهم لا يعرفون كيف يمكن الوصول إلى هناك، كما أن الحصول على تأشيرة لدخول أوروبا أمر صعب المنال، ويبدو مستحيلا، إلا أن هناك عددا من اليمنيين الذين بدؤوا يعتزمون الرحيل إلى تركيا التي يسافر منها غالبية اللاجئين والمهاجرين إلى أوروبا، وفي حال تمكن عدد من اليمنيين من الوصول إلى تركيا فسيكون المجال سهلا عليهم لمواصلة السير إلى أوروبا.
الشاب محمد أحمد يقول إن أمله الوحيد هو الخروج من اليمن إلى أي من الدول الخليجية أولا، وهو لا يرغب في البقاء هناك ولكنه يرغب في مواصلة الرحلة إلى إحدى الدول الأوروبية لإكمال تعليمه والبقاء هناك. وحتى الآن لم تسجل أي من الرحلات الناجحة لنازحين يمنيين تمكنوا من عبور البحر الأبيض المتوسط والوصول إلى السواحل اليونانية التي تعد المدخل الساحلي لأوروبا. ومهما تكن آمال اليمنيين في الهجرة إلى أوروبا فمن الصعب تحقيق ذلك فاليمن ليس كسوريا والرحلات الجوية بعيدة المنال على كثير من اليمنيين لارتفاع تكاليفها.