تراجم وتحليلاتغير مصنف

الفوضى.. مصير اليمن بعد سنوات الحرب (تحليل خاص)

التحليل يركز على مراكز التأثير الجديدة ودورها في اندفاع اليمن نحو “الفوضى” وغياب مشروع الدولة الجامعة يمن مونيتور/ صنعاء/ من عدنان هاشم:
تندفع اليمن بشراهة نحو الفوضى، مع حالة تخلّق لمكونات جديدة داخل المجتمع السياسي والعسكري اليمني طوال سنوات الحرب الأربع.
في مارس/ أذار2015 تدخل التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن لدعم الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً ضد المسلحين الحوثيين، الذين يتلقون دعماً عسكرياً وسياسياً من إيران -على الرغم من نفي الطرفين-، لكن لا يبدو أن ذلك تحقق، فالحكومة تحولت إلى حكومة منفى، والسيطرة على الأرض ليست للحكومة الشرعية إذا ما استثنينا الحالة الموجودة في محافظة مأرب، وجزء كبير من الجوف.
فشل التحالف حتى الآن في إيجاد نهاية للحرب وإجبار الحوثيين على تنفيذ القرارات الأممية التي تطالبهم بالانسحاب من المُدن وتسليم السلاح، وبدلاً من ذلك أسس التحالف ميليشيات مسلحة من أجل مواجهة الحوثيين، وتحولت إلى تكوينات سياسية وشبه عسكرية كسلطة موازية في مناطق سيطرة الحكومة.
يركز هذا التحليل على مراكز التأثير الجديد ودورها في اندفاع اليمن نحو “الفوضى” المدعومة من أطراف خارجية أو تملك مصالح فردية في الداخل وجدت مع الحرب.
أولاً، ميليشيات الحوثي: تملك ميليشيا الحوثي تسلسل هرمي كجماعة مسلحة وفق القانون الدولي. خلال سنوات الحرب زادت العملية التنظيمية للجماعة قوة، وأسست ميليشيا داخلها تدعى “الأمن الوقائي” وهي مخابراتية تسعى لمراقبة تصرفات القيادات والأعضاء والحلفاء واعتقالهم والتحقيق معهم. ينكر الحوثيون في العادة وجود هذه الميليشيا المُدربة.
كما أن الجماعة المسلحة تملك أسلحة متطورة بما فيها الصواريخ الباليستية والطائرات دون طيار، تُتهم إيران بتزويد الجماعة وإن كان ذلك جزئياً صحيح، إلا أن باقي الأسلحة التي يتم تطويرها وتحضيرها تقوم على يد خبراء تدربوا في إيران ولبنان من الجرحى الحوثيين الذين يغادرون البلاد من أجل العلاج.
ولا يبدو أن الجماعة ستنزع سلاحها باتفاق سلام، ما لم يتمكن التحالف والجيش الوطني من الانتصار في معركة كبيرة تجبر الحوثيين على تنفيذ الاتفاقات الدولية. ولا يبدو أن ذلك ممكنا في المدى القريب -ما لم تتغير المعطيات وخارطة الحرب الجامدة منذ 2017- عدا ذلك سيتسبب الحوثيون في بقاء السلاح الثقيل في يد كل الأطراف المناوئة للجماعة، فالسبب وجود الجماعة المسلحة وانقلابها وليس العكس.
ثانياً، محافظات جنوب اليمن: خلال سنوات الحرب أسس التحالف العربي-الإمارات العربية المتحدة على وجه التحديد- تكوينات شبه عسكرية تتبع في المسمى قوات الأمن أو الجيش، لكنها تتلقى الأوامر من القادة العسكريين الإماراتيين. عدد هذه القوة قرابة 70 ألف مقاتل، وتحمل مسميات “الحزام الأمني والنخبة” وتنتشر في عدن وأبين والضالع وشبوة وحضرموت.
هذه الميليشيات تظهر اتباعها للمجلس الانتقالي الجنوبي، وهو هيئة سياسية مدعومة من الإمارات تُقدِّم نفسها كسلطة موازية للحكومة الشرعية في المحافظات الجنوبية، وتدعو لاستعادة الدولة الجنوبية قبل عام 1990م. لا يحظى المجلس بدعم من المكونات الشعبية الجنوبية أو فصائل الحراك الجنوبي، وهو ما يعني أن خلافات متداخلة قد تشعل حرباً في المستقبل القريب بين مَنْ يؤيدون مشروع الأقاليم الذي يتبعه الرئيس عبدربه منصور هادي وقوة كبيرة ولا يستهان بها جنوب البلاد، وبين فصائل الحراك الجنوبي نفسها حول من يمثل مشروع الانفصال، وبين المحافظات الأخرى التي تعتقد أنها تملك هوية مستقلة ولا تنتمي لدولة ما قبل 1990م.
ثالثاً، في تعز: خلال الحرب تخلقت ميليشيات مسلحة ومراكز نفوذ وقوى جديدة، لكن المنطقة التي كانت بعيدة عن الخلافات المسلحة واحتفظت إلى حد بعيد بالخلافات السياسية وحدها، تحولت خلال العامين الماضيين إلى مواجهات مسلحة بين قوات من الجيش وكتائب أبو العباس المدعومة من أبوظبي. وتحاول أبوظبي الحصول على موطئ قدم في المدينة أو تحويل منطقة المخا والخوخة إلى محافظة منفصلة. وحصلت على ولاءات متعددة من سياسيين إلى جانب كتائب أبو العباس المصنف رئيسها وقيادتها ضمن قوائم الإرهاب الأمريكيَّة والخليجية.
رابعاً، الأولوية التهامية: مع حُمى التكوينات للحصول على جزء من الكعكة وبدعم من عائلة الرئيس السابق تهدد بهذه الأولية برفع مطالب انفصال تهامة إذا تم تجاهل حقوق المنطقة في السلطة والثروة. وكان تهديد أحد قياداتها لمجلة “دير شبيجل” الألمانية واحداً من التهديدات المسموعة.
خامساً، القبائل: خلال مواجهة الحوثيين تخلقت مواجهة مجتمعية مثل المقاومة الشعبية وتم ضم هذه القوات إلى الجيش والأمن لكنها ما زالت تحت كتائب أو ألوية ينتمي معظم أفرادها لنفس المناطق والعزل وشيخها أو من قام بتجنيدهم على قيادتها، ولم يتم تفريقها ما سيجعل ذلك جزءاً من مشكلة في الجيش والأمن بعد الحرب.
سادساً، اقتصاد الحرب: نشأ اقتصاد الحرب في البلاد، وهو مؤثر بشكل كبير وسيء للانتقال إلى أي ملف سلام ما لم يضمن لزعماء المافيا في الظل الحصول على مقابل كبير يضمن مصالحهم للتخلي عن مراكزهم، وهؤلاء يقومون بتهريب الأسلحة والغذاء والبشر بين المناطق الخاضعة لسيطرة الطرفين. كما نشأ مراكز اقتصادية جديدة للاستيراد، وسيطر الحوثيون على معظم هذه المراكز الجديدة وأبرزها استيراد المشتقات النفطية.
سابعاً، الجماعات الإرهابية: تتواجد التنظيمات مثل تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة في وسط وجنوب اليمن، في وجود محدود وهو نتاج فعِل طبيعي لغياب الدولة وإيجاد موطئ قدم لدى التجمعات السكانية المناوئة للحوثيين فيما يخص تنظيم القاعدة. أما تنظيم الدولة فيتواجد في مناطق بعيدة للغاية عن التجمعات السكانية، وبقاء الفوضى أو تقسيم البلاد سيدعم وجود هذه التنظيمات ونموها.
لا أحد يستفيد من الفوضى إلا الميليشيات المسلحة والمشاريع الصغيرة، والحلول الوسط التي لا تسحب السلاح ولا تعيد مؤسسات الدولة هي في المُجمل حروب جديدة صغيرة وكبيرة لا يمكن أن تنجو منها البلاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى