المجتمع العليل تتمزق فيه الشرائح الاجتماعية والوطنية والسياسية وتتصدع عراها، وتتفكك الدولة وتضعف ويسهل على المستكبرين توظيف أدوات لطغيانهم وأطماعهم، وايجاد مبررات تعطشهم للدماء في أن يقتل الناس بعضهم.
ظلمٌ يقويك ويشد من عودك، وظلم يضعفك ويصيبك بالوهن، شتان بين مظلوم لم يخنع لظروف ظلمه وأزداد تمسك بالقيم الانسانية، وينتصر لها أينما كانت، تسامح مع ومظلوميته وظالميه، متجاوز قضيته وأوجاعه، ليضع الوطن والمصلحة العامة والقضية الانسانية في كل اعتبار، وبين من أصابه الظلم بوباء الحقد والكراهية والضغائن والصراعات السلبية المدمرة، لا همّ له غير الانتقام، حتى صار فيروساً مضراً يصيب المجتمع والوطن بالعلل.
المجتمع العليل تتمزق فيه الشرائح الاجتماعية والوطنية والسياسية وتتصدع عراها، وتتفكك الدولة وتضعف ويسهل على المستكبرين توظيف أدوات لطغيانهم وأطماعهم، وايجاد مبررات تعطشهم للدماء في أن يقتل الناس بعضهم.
والأمم الهزيلة هي التي تنبث فيها الطواغيت، فالبعوض يولد في المستنقع والغربان تحط على الجثث المتعفنة، الدول تهزم بفعل تفككها الداخلي، كم حضارة سادت ثم بادت منخره بالعلل من داخلها.
عملية الحقن المستمرة للمجتمع تُؤتي أُكُلها، الحقن السلبي يضر ويمتد ضرره ليصيب الكل، حقن مناطقي طائفي مقيت، مؤامرة أحيكت بعناية بوسائل إعلام وأدوات، شحن وتحريض لسنوات ليبقى المجتمع عليلاً مشبع بالحقد والكراهية، أصاب الفيروس هدفه وبدأت مرحلة الخطر، طالت الكل بما فيهم الأدوات، يستفحل الداء ويصعب السيطرة عليه.
ما الذي جعل مارد الثورة ونسيجها الشبابي والشعبي المتطلع للتغيير يتمزق اليوم بين مشاريع اخرى، تعود بنا للماضي الذي تجاوزناه، تساؤلات كثير تدور في الخلد، عن تقبل الناس هذا التفكك لطوائف ومناطق، تقبل الهزل والمناكفة، وتغييب العقل والمنطق، والاصطفاف حول أصنام بشرية غير قابله للنقد.
عندما غابت العقلانية والحقائق والمنطق وسيطرت على الساحة الفوضى والإشاعة، رسخت ثقافة سلبية كعنصر هام لعملية الهدم ومسلك التخلف والجهل الإنساني والتنموي في الوطن، ثقافة تعمقت في المجتمع مهما حاول البعض تأطيرها بإطار جميل مزخرف بالثورية فسلبيتها تعيبها وعفنها يكفي لرفضها، ثقافة لا تستقيم معها القيم والمبادئ الإنسانية والدولة الوطنية دولة المواطنة.
هل سنعي خطورة ما حدث ويحدث أم سنكابر ونتجاهل بعناد، ونترك الأمور تستفحل، وتنخر المجتمع تلك الأمراض والنفوس المصابة تستمر لممارسة هوايتها، ونتجاهل نعيق العنصرية، وكسر إرادة الآخر بل تكفيره واتهامه وتصفيته جسديا، وتوزيع صكوك الوطنية دون مسوغ قانوني وعرفي.
يتساءل الناس اليوم، أين النخب الثقافية والفكرية والأكاديمية؟ أين الرهان كمصدر للتنوير؟ يوزع الحب والتسامح والوفاق بين كل فئات وفصائل وجماعات المجتمع سياسية كانت أو اجتماعية، لتشفى النفوس وتطهر القلوب ويصلح حال العباد والوطن.
كلما استقام عود الدولة لتستعيد عافيتها، تحركت أدوات العفن لتشن حملتها المغرضة لوقف هذا التعافي، والغرض واضح في خطاب عنصري مناطقي طائفي قذر، يسرب شائعات ووثائق مفبركة ضد من يعمل على الأرض لترسيخ كيان دولة ونظام وقانون يحاسب ويعاقب من يخرج عنه.
ما أحوجنا اليوم أكثر من أي وقت مضى للمنابر الإعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة التي تبث روح الإخاء والتصالح والتسامح وتعزز الانتماء والروح الوطنية، لتخرس الألسن وقنوات الفتنة والترويج للأحقاد والضغائن والمناطقية والطائفية والعنصرية، لنعيش، يكفينا صراعات ومهازل ودمار وموت وإرقة دماء.. آه من امة صارت أضحوكة بين الأمم، فلنصحوا إذاً ونفوق من غفلتنا لنكن امة محترمة بين الامم.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.