في غياب الثقافة.. ليس لأطفال اليمن من يكتب لهم
في غياب الثقافة المنتَجة للطفل في اليمن يكتفي الآباء بالمنهج الدراسي كمصدر معرفي وحيد لأبنائهم يمن مونيتور/ العربي الجديد:
سجّل أدب الطفل في اليمن بدايةً جيّدة في سبعينيات القرن الماضي، لكن عوامل كثيرة تضافرت لتقف عائقاً أمام تطوّره، ما جعله يبقى مقتصراً على تجارب متناثرة ومحدودة تحكمها العشوائية والموسمية، ولا تنجح في اختراق الحراك الثقافي العام، في ظلّ استمرار غياب الاهتمام المؤسّسي.
هكذا، باتت الثقافة المنتَجة للطفل مغيَّبة تماماً عن المشهد الثقافي، خصوصاً خلال الحرب الدائرة منذ سنوات – والأطفال من أبرز ضحاياها – حيث تواصَل غياب المجلّات الخاصّة به، وتعثَر نشاط التأليف خلال العقدين الأخيرين، بسبب عزوف الكثير من الكُتّاب عن التأليف في أدب الطفل، لكونه “لا يحقّق مبيعات جيّدة، ولا يحظى بالتقدير”، حسب تعبير الكاتبة اليمنية مها صلاح.
في حديثها إلى صحيفة “العربي الجديد”، تقول صلاح، وهي أيضاً مديرة “مؤسّسة شوذب للطفولة”، إن الكتابة للطفل “غيرُ مربحة مادياً، وعادةً ما تصدُر كتبه في نسخٍ محدودة بسبب عدم وجود دور نشرٍ متخصّصة في أدب الطفل، وغياب الدعم، مع العلم أن هذا النوع من الكتب يتطلّب تكاليف باهظة، نظراً لاحتوائها ألوناً وصوراً”.
“برأي صلاح، فإنَّ هذا الواقع يشكّل مصدر إحباطٍ لكُتّاب الطفل في اليمن، معتبرةً أن “التهميش الحكومي الذي عانت منه تجربة الكتابة للطفل دفع بالكثير منهم إلى هجرها”. تستدلّ، هنا، بضآلة الإنتاج الثقافي الذي اُنجز بدعم جهات حكومية، مقارنةً بما قُدّم بدعمٍ من مؤسّسات ومنظّمات غير حكومية.
وتضيف: “كان من النادر جدّاً أن تشتري وزارة التربية والتعليم كتب أدب الطفل، واقتصر دورها على إصدار المناهج الدراسية التي لا تلبّي احتياجات الأطفال الثقافية”.
وإلى جانب غياب دور النشر المهتمّة به، يختفي كِتاب الطفل من التداول بعد إغلاق كثير من المكتبات المتخصّصة أبوابها نتيجةً لانقطاع الدعم المادي أيضاً، مع تحوُّل الكثير من المنظّمات الداعمة إلى الجانب الإغاثي، وهو ما جعل الثقافة، وخصوصاً ما تعلّق منها بالطفل، تسقط من قائمة أولوياتها. كما تكاد تخلو المدارس الحكومية من مكتباتٍ من هذا النوع، باستثناء قلّة منها عمدت إلى إنشاء مكتبات للطفل بجهود ذاتية، وهو أمر ليس شائعاً. وهكذا، بات متعذّراً وصول الكِتاب إلى الطفل.
في سياق حديثه عن العثرات التي عاشتها ثقافة الطفل في السنوات القليلة الماضية، يقول الكاتب اليمني ثابت القوطاري إنَّ من العبث تقييم تجربة أدب الطفل اليوم، لأنها بلا حضور يُذكَر، مضيفاً، في حديثه إلى “العربي الجديد”: “قبل خمس سنوات، كانت تتواجد أكثر من ثمانٍ وثلاثين مكتبةً مجّانية مخصّصة لكِتاب الطفل، موزّعة بين محافظات اليمن”.
يوضّح القوطاري، وهو أحد الذين تطوّعوا للإشراف على عددٍ من تلك المكتبات: “كانت تلك الفضاءات تُقدّم أنشطة ثقافية مختلفة للأطفال، ومن ذلك تنظيم برامج دورية لسرد القصص، وتوزيع الكتب التي كانت توفّرها منظّمات مختلفة”.
يضيف المتحدّث أن تلك المكتبات استوعبت عدداً كبيراً من الأطفال، وكانت تعمل تحت إشراف مؤسّسات محلّية؛ مثل “إبحار” و” شوذب”، وبدعم من منظّمات دولية؛ مثل “يونسكو”، و”يونيسف”، و”الصندوق الاجتماعي للتنمية” التابع للبنك الدولي، مُشيراً إلى أن مُعظم المكتبات أُغلق بعد 2015، بسبب الحرب، وتوقُّف الدعم، بينما ظلّت الباقية منها بلا فاعلية تُذكَر.
أمّا نجيبة حدّاد، وهي كاتبةٌ في أدب الطفل، فتعتقد أن الكتابة للطفل تضرّرت أكثر من غيرها في سلسلة السرد اليمني في ظلّ الحرب، بسبب هشاشة هذه التجربة، وحجم التهميش الذي طالما عاشته، مضيفةً: “لا تزال الكتابة للطفل همّاً نخبوياً أكثر من كونها قضية ثقافية عامّة؛ فهي لا تثير حماس كثير من المثقّفين، ولا تحظى بالتقدير الشعبي والرسمي المطلوب كالكتابة للكبار، بسبب قصور الوعي بها وإغفال أهميتها”.
وتذهب حدّاد إلى أنَّ الخطوة التي يجب أن تسبق نشاط الكتابة، هي التوعية بأهمية الثقافة بالنسبة إلى الطفل: “يتوجّب أن تنمو خيالات الصغار معرفياً بقدر نموهم البيولوجي”، مشيرةً في هذا السياق إلى أهمية هذه الفئة وخطورة تهميشها، معتبرةً أن الطفولة في اليمن تُعامَل كما لو أنها عبء فقط؛ حيث ترى أن هذه الفئة لا تزال محرومة من حقوقها الاجتماعية، ولا يتمّ الاكتراث كثيراً لحقوقها التعليمية والثقافية.
وانطلاقاً من تجربتها في الكتابة للطفل، تردف: “الكثير من الناس ما زالوا يعتقدون أن أدب الطفل نشاط ترفيهي محض، لا يفيد الأطفال بشيء. وغالباً ما يكتفي الآباء بالمنهج الدراسي كمصدر معرفي وحيد لأبنائهم، رغم القصور الشديد الذي يتخلّله”، مشدّدةً على ضرورة إيلاء الأطفال رعاية ثقافية جادّة، مُحذّرة من عواقب إهمال جانب الثقافة على مستقبلهم، خصوصاً أنهم يعاصرون مرحلة الحرب.
وعن تجربتها السابقة كوكيل في وزارة الثقافة اليمنية بين 2007 و2011، تقول حدّاد إن المنصب لم يكن كافياً لإحداث نقلة نوعية في ثقافة الطفل، لكنّها تُضيف أنها حاولت أن تُقدّم ما استطاعت من أجل إيصال كتب الطفل إلى المكتبات العامّة، من خلال إصدار عدد من المؤلّفات عبر “الهيئة العامّة للكتاب”.
بدوره، يُوجّه إبراهيم أبو طالب، أستاذ النقد الأدبي في جامعة صنعاء، حديثه إلى كُتّاب الطفل، قائلاً: “ليس من السهل أن تخاطب وعي الطفل وتؤثّر فيه”؛ إذ يعتبر، في تصريحه لـ”العربي الجديد” أنَّ “الكتابة للطفل فنٌّ لا يتقنه إلا القليل، بسبب فارق الوعي بين المؤلّف والقارئ”، مضيفاً أن هذا النوع يتطلّب مهارةً وتمكّناً من تقمُّص وعي الطفل، ومحاكاة واقعه، وأنَّ نجاح أي عملٍ يُقاس بمدى تأثيره في وعي الأطفال.
يَعتبر أبو طالب أنَّ تجربة الكتابة للطفل في اليمن على ندرتها، ليست جيّدةً بالكامل، وأنَّ جلَّ كُتّاب الطفل، ورغم قلّة عددهم، ليسوا متخّصصين في هذا المجال، مشيراً إلى وجود كثير من المؤلّفات الموجّهة للأطفال، لكنها لا تخاطب ذائقتهم في الغالب، إضافة إلى انفصالها عن واقعهم الشخصي، وفق تعبيره.
من ناحية ثانية، يشير أبو طالب إلى ما يسمّيه مشكلةً بنيوية في مضمون النصّ الموجَّه للطفل، سببها، حسب رأيه، غياب الدراسات النقدية التي تتناول أدب الطفل؛ حيث يذكُر أن آخر دراسة نقدية صدرت في هذا المجال، كانت قبل خمسة عشر عاماً، وهي “أدب الطفل: تخطيطات وقراءات” لأديب قاسم، وهو ما يعني حسب قوله إنَّ الكتابة للطفل لا تزال تجربة فردية.
من جهتها، ترى الناقدة سماح حسين أن الإعلام اليمني لم يقم بدوره في التوعية بأهمية ثقافة الطفل: “وسائل الإعلام العامّة أغفلت تخصيص تغطية برامجية للطفل لسد غياب القنوات والإذاعات التي من المُفترض أن توجِد نمطاً إعلامياً متخصّصاً في الطفولة”.
ورغم الصورة القاتمة في الغالب، فإن المشهد لا يخلو من بعض الأنشطة الثقافية التي تُقام برعاية منظّمات أهلية؛ ومن ذلك “صالون نون الثقافي” الذي أقام في 2016 عدداً من البرامج الترفيهية، كما نظّمت “مؤسّسة إبحار للطفولة”، مع بداية الحرب في 2015، جلسات قراءة أسبوعية للأطفال، قبل أن يتوقّف نشاطها في 2017.
وعلى صعيد التأليف، صدرت مؤخّراً بعض الكتب الموجّهة للطفل؛ من بينها عملان لمها صلاح هما: “كيف أنام دون حكاية” عن “دار الحقائق” في بيروت، و”الشجرة تُثمر بسكويتاً” عن “مؤسّسة إبحار” في صنعاء، إلى جانب كتابٍ بعنوان “خطوط شذى” يُنتظَر أن يصدر قريباً. كما فازت الكاتبة اليمنية أسماء المصري، بالمرتبة الثالثة في “جائزة التأليف المسرحي للطفل”، عن عملها “الضفدع لا يأكل النمل”، في الدورة السادسة (2018) من “المهرجان العربي لمسرح الطفل” في الكويت.