والزعماء وحدهم جديرون بتحديد ساعة الصفر على نحوٍ شديد الدقة وفريد المهارة: “بالأمس، كان الوقت مبكراً.. وغداً، سيكوم متأخراً.. الآن -إذن- الآن”.
كان الزعماء والأثرياء والمشاهير يُطوّقون معاصم أيديهم اليسرى بساعات “رولكس” أو “أوميجا” أحياناً. إثر ذلك بسنوات، ظهرت الرولكس هذي حول معصم اليد اليمنى لأبي بكر البغدادي. كانت الساعة هي نفسها، ولكن اختلف المعصم. مثلما لم تعد الماركة القديمة سيدة المعصم، بل ظهرت ماركات جديدة بقدر المذاهب والملل والآيديولوجيات الجديدة. ولا عاد المعصم الأيسر هو سيد الساعة، بعد أن غدا الأيمن هو السائد، بفتوى حيناً وبموضة أحياناً.
ومهما ارتبكت حركة العقارب في الساعة، تقديماً أو تأخيراً، تظل الساعة تمنح توقيتاً ما، بغض النظر عن صحته أو دقّته. ويظل بعض ذاك التوقيت انذاراً: الساعة الساعة!
.
.
هل يحتاج معصم الحاكم إلى ساعة؟ أو هل يحتاج الحاكم إلى السؤال عن الوقت؟
ثم ما الذي يدعوه إلى اختلاس النظر إلى ساعة يده في لحظةٍ ما؟ .. هل يشعر بالملل مثلنا؟ .. أم أنه يشعر بالملل منا؟ .. أم تراه يشعر بالقلق؟
و.. هل إذا شعر الحاكم بدُنُوّ ساعته، نظر إلى ساعته؟
لماذا لا ينظر الحاكم إلى ساعة الشارع بدلاً عن ساعة المعصم؟ .. ساعة المكان بدلاً عن ساعة الزمان؟ .. ساعة الحدث والدلالة بدلاً عن ساعة الوقت؟
أم أن الساعة في معصم الحاكم مجرد اكسسوار لتكتمل بها متطلبات الأناقة وضرورات البريستيج؟
.
.
إن الزعماء هم أكثر الناس معرفةً بقيمة الوقت، وخطورته أيضاً.
وهم أقدر من المواطن البسيط على التعاطي مع شروط الزمن. فإذا ما فات عقرب الزمن مواطناً، ربما استطاع اللحاق به في وقت آخر. فاليوم عند المواطن العادي 24 ساعة، لكن الساعة عند الزعيم 24 يوماً على الأقل.
والزعماء وحدهم جديرون بتحديد ساعة الصفر على نحوٍ شديد الدقة وفريد المهارة: “بالأمس، كان الوقت مبكراً.. وغداً، سيكوم متأخراً.. الآن -إذن- الآن”.
على العكس تماماً من الحكام، فهم يلهون ويلتهون بعقارب الساعة.. فلا ينتبهون إلى ساعة العقارب!
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.