التطلع للماضي كمشروع ومشروعية، ليس حلاً بل هو إشكالية بحد ذاته، الحل هو التطلع للمستقبل في دولة اتحادية ضامنة للمواطنة والحريات والعدالة الاجتماعية، بمخرجات حوار وعقد اجتماعي، ينظم العلاقات ويحدد بدقه الحقوق والواجبات.
كل ما هبّت الجماهير ثائرة ترفض واقعها الآسي، وتتطلع للتغيير لواقع أفضل تجسد فيه نهضة وطن، قادر على مواكبة تطورات العصر ليلحق بأمم المعمورة، كلما وجدنا اعتراض من الماضي بكل أدواته وثقافاته وأفكاره البالية وإرثه العقيم يعترض طريقنا، مصالح وتراكمات وإشكاليات لم تحسم وتضل عالقة تورق التغيير وتعيق مسار التحول لمستقبل ينشده الجميع بكل مشارفهم وتوجهاتهم.
في صراع حميم بين الماضي والحاضر، في عملية مخاض للتغيير تبرز فيها كثيراً من التساؤلات التي تشكك في قدرة الناس على تغيير واقعها للأفضل، يبرز سؤال هل ضللنا طريق التغيير؟ مما أصابنا بالإحباط والحزن والوجع والفقدان الذي نعيشه اليوم، والذي يقتل لدينا روح المبادرة.
والحقيقة ليس كذلك، نحن قادرين على المبادرة وتجاوز الاحباط ، لو تجاوزنا الانغماس بالماضي كحالة مرضية، تؤذي ولا تفيد، الماضي فينا هو الزمن الجميل، بموجات من التندر والتذكر على كل ما راح وفات وصعب أن يتعوض، وانه الأصدق والأجمل والأسمى، مما يوحي بحالة احباط ويأس شديدين في العجز على مواصلة المشوار، إذا كان ماضينا جميل فحاضرنا يفترض أن يكون أجمل لمستقل أكثر جمالاً.
التندر بالماضي كزمن جميل، نظرة الكهل الذي ضعف قدرة وصحة وجسد، شاخ عقلاً وروحاً، ويتندر لشبابه، هو فشل مخزٍ للعلاقة بين الأجيال، في استلام امور الحياة، ليتحمل الشباب مسئوليتهم في استكمال المشوار، كثيراً من المسئوليات تحت سلطة اُناس قد تقاعدوا عن العمل من زمن ومكانهم الاستشارة أو الراحة والاستجمام، يديرون المؤسسات والهيئات بعقلية شاخت ولم تعد قادرة على التجديد بل ترفض التغيير.
وعلينا أن نعترف بفشلنا في مواصلة المشوار، إن كنا نرى ماضينا أجمل من حاضرنا، فهذا يعني أن شيئاً من هذا الجمال قد فقدناه، وانتزع من حياتنا، وبدلاً من البحث عن أسباب ودواعي فقدانه، نحو استعادته، صرنا نندم حظنا ونبكي أطلال الماضي، ونعيش حالة من البؤس والحزن والاحباط والياس ونعيق مسار التغيير لواقع أجمل.
هذا الفشل مصحوب بالتعصب لذلك الماضي الذي يرى فيه البعض تطلعات عصبته، يرى السلف الذي ميزه عرقاً وسلالة وطائفة ومذهب، يرى أن له الحق في أنْ يتربع على رقاب الناس، بحق عرقي أو إلهي، وكثيراً ما يعيش البعض ذكريات أجداده وهم يحكمون الناس ويتحكمون بالأرض والانسان، هو يرى ذلك الماضي من منطلق مصالحه، دون مراعاة لمصالح الآخرين، وحقهم في العيش الكريم والاختيار وما يتناسب وتطلعاتهم، مع العلم أن جزءاً كبيراً من الماضي قد تغير بإرادة الناس وتضحياتهم، بعد أن وجد انه لا يلبي تطلعاتهم.
نحتاج أن نخرج من عباءة الإدمان بالماضي، وإعادة العلاقة مع الحاضر، لنرى المستقبل بوضوح وجمال، ولن يتم ذلك دون أن نجعل ماضينا عبر ودروس، نستشف منه الحاضر، ولا نكرر مآسينا وخيباتنا واخطاءنا، ونبحث عن حلول ناجعة لكل الاشكاليات التي واجهتنا في الطريق بين ذلك الماضي والحاضر، حلول جذرية، نتجنب النتائج الوخيمة التي تنتج مزيداً من المشكلات وتولد كماً هائلاً من التراكمات لتعيق الخروج الآمن والسلس من الماضي لحاضر ومستقبل أجمل.
التطلع للماضي كمشروع ومشروعية، ليس حلاً بل هو إشكالية بحد ذاته، الحل هو التطلع للمستقبل في دولة اتحادية ضامنة للمواطنة والحريات والعدالة الاجتماعية، بمخرجات حوار وعقد اجتماعي، ينظم العلاقات ويحدد بدقه الحقوق والواجبات، لينقلنا إلى مصاف الدول المتقدمة لننهض ونلحق بركب الحضارة ونتجاوز الماضي ومآسيه، ليكن حاضرنا جميل ومستقبلنا أفضل.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.