كتابات خاصة

إشاعة موت!

حسن عبدالوارث

منذ زمن بعيد، حدث أن أديباً انجليزياً مرموقاً صحا من نومه ليقرأ خبر وفاته منشوراً في صحيفة بريطانية كبرى. ولم يَصْحُ الأديب من هول المفاجأة إلاَّ بعد أن تأكد من أنه لا يزال حياً على العكس تماماً مما تزعم الجريدة.

نشر أحد الزملاء مؤخراً خبراً عن وفاة سيدة عملت معنا في صحيفة 14 أكتوبر منذ زمن بعيد وكان الزميل نفسه نشر في العام الماضي الخبر نفسه عن السيدة نفسها، غير أن الخبر يومها لم يكن صحيحاً، فقد نشره آنذاك في ضوء معلومة غير سليمة البتة.
والحق أن نشر الأخبار بناءً على معلومات لا تتّسم بالصحة، من الظواهر السائدة في مهنة الصحافة في كل زمن ومجتمع. وبعض الأخبار من هذا النوع كان فادح الأثر، مثل أخبار الموت. فقد تكررت الأخبار المنشورة هنا وهناك عن وفاة فلان من الناس -لاسيما الشخصيات العامة- وسرعان ما اتضح أن الخبر غير صحيح، لكن “بعد خراب مالطا” كما يُقال.
منذ زمن بعيد، حدث أن أديباً انجليزياً مرموقاً صحا من نومه ليقرأ خبر وفاته منشوراً في صحيفة بريطانية كبرى. ولم يَصْحُ الأديب من هول المفاجأة إلاَّ بعد أن تأكد من أنه لا يزال حياً على العكس تماماً مما تزعم الجريدة.
وغير مرة، قرأ أدباء وكُتَّاب عرب أخبار وفياتهم منشورة في بعض الصحف فيما هم على قيد الحياة، وبحسب ذاكرتي الصدئة كان من بين هؤلاء حينها: حنّا مينا ومظفر النوّاب ومحمد الماغوط وغادة السمان وغيرهم.
وأظننا سمعنا أو قرأنا يوماً عن وفاة الشاعرة العربية الرائدة نازك الملائكة. ورأينا يومها كيف ظلت الأقلام ترثيها والألسن تنعيها قبل أن تكتشف متأخرة أن أشهر شاعرة عربية حديثة لا تزال حية تُرزق! وقد رحلت الشاعرة الملائكة في منتصف العام 2007 عن عمر تجاوز الثمانين عاماً، ولكن تلك المرة كان الخبر صحيحاً.
ويُحكى أن الروائي الكولومبي الأشهر جابرييل جارسيا ماركيز كان يُطالع يوماً احدى الصحف، وفجأة وقعت عيناه على خبر وفاته يتصدر الصحيفة. وقد كتب لحظتها ساخراً: أخيراً مُتُّ، واسترحت من الكتابة!
أما الكاتب الفرنسي الشهير جانيه ساجان فقد طالعته إحدى الصحف ذات صباح بخبر وفاته، وحينها اتصل برئيس تحرير الصحيفة وقال له بهدوء شديد: أرجو أن تلغوا اشتراكي في صحيفتكم، فالموتى لا يقرؤون الصحف!
كما حدث -في أوائل الثمانينات في عدن- أن وقع المحرر في إحدى الصحف في التباس بالأسماء فنشر خبراً عن وفاة القاص عبدالله سالم باوزير، بينما كان الرجل يشرب الشاي في منزله وبين يديه نسخة من الصحيفة التي نُشر فيها خبر وفاته. كما وقعت صحيفة أخرى في الفترة ذاتها في الالتباس الذي أودى بها الى اعلان وفاة الأديب حسين سالم باصدّيق. وكلا الأديبين -باوزير وباصدّيق- رحلا بعدها بسنوات وسط شكوك بأن يكون الخبر مجرد اشاعة قبل أن تثبت صحة النبأ!
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى