ضياع العدل!
سلمان الحميدي
كان العدل موجودًا، أما الآن فقد ضاع العدل.
الأربعاء الفائت، كان أبي يتحدث إلى من يلقاه عن غياب العدل، عن ضياعه. كانت المهمة شاقة أن تفعل ذلك في القرية فضلًا أن يكون اليوم هو يوم الأربعاء، لم يكن التوقيت عادلاً لاكتشاف الظلم والخوف علاوة على أن غربة الموضوع وندرته هذه الأيام.
أحاديث هذه الأيام مقتصرة على ما وصل إليه فلان الفلاني من نهب، وعن نجاة شخص ما من حادثة اغتيال، عن اكتشاف شجاعة رجل كان مسكينًا غير أن قضية الوطن بينت حقيقته، وعن هزائم وتقدمات، عن خذلانات وعن أعراس، عن عزاءات وضيافة مغترب.
كان أبي يقول لمن يلقى: في عهد عمر بن عبدالعزيز ارتعى الذئب جوار الغنم، ولم يأكل شاة..
كان العدل موجودًا، أما الآن فقد ضاع العدل.
الآخرون لم يستطيعوا تبين مقصد أبي، حتى أنهم تداولوا رسائل عن قصده، وأنا لم أكن أعلم بالقصة، حتى اتجهت له مستفسرًا عن مناسبة استحضار عمر بن عبدالعزيز، وما إذا كان زميله المؤتمري في المدرسة قد استفزه بمضمون اللافتة القديمة التي رفعت بالسبعين والتي أكدت صراحة بما لا يدع مجالًا للتراجع بأن صالح هو الخليفة السادس للمسلمين.
لم يكن الأمر كما ظننت خاصة وأن الزميل المؤتمري قد وافق أبي على ما قاله، ولم يعد يذكر صالح قدر ذكره للسلال الغذائية التي توزعها منظمات الإغاثة والتي تصل إلى المنطقة بعد جهد جهيد، فضلًا عن شكاوي من اختلال عدالة توزيع البر الأسترالي، والتي تصب في صالح الموضوع نفسه: الظلم، أو غياب العدل.
كان مدخل أبي للحديث عن ضياع العدل، بسبب الدجاج بالنظر إلى انتشار السلاح بشكل كثيف.
في المدج، الاسم الشعبي لقن الدجاج، كان لدينا ديكين وثلاث دجاجات، هذه الثروة التي نربيها خلال سنوات الحرب في الريف، جاء العسيق/ الثعلب، “شلهن شلة حمط” فلم يتبق إلا المدج والريش.
كانت المهمة شاقة لتجميع هذه الثروة، بدءًا من تجميع البيض ثم اقتراض دجاجة تجلس عليهن، ثم الفقس. ثلاث مرات تقريبًا، بيض تبطل، وغربان تلتقط الكتاكيت، والأهم من ذلك: شغب طفلي جارنا الذين غمسوا كتكوتين داخل المسقى الأمر الذي جعلنا نأخذ الحادثة من باب حب الاكتشاف تلافيًا لأي مشكلة محتملة بين الجيران.
وفي كل مرة يبقى كتكوتين.. وهكذا صاروا خمسة عندما كبروا.
كانوا غنيمة الثعلب، وكانت مناسبة للحديث عن غياب العدل.
هل يمكن أن نمزح؟ نتحدث عن العدل في زمن الحرب، وفي زمن الحوثي تحديدًا، زمن تفجير منازل الآدميين وترويع الناس، زمن كهذا يعد الحديث فيه عن العدل من التهجم على قن، أشبه بمزاح آخر الليل.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.