الرحمة بضمير الأمة

أحمد ناصر حميدان

المصفقون والمرددون للعبارات دون علم ومعرفة، دون السؤال والاستفسار، يسكنهم الخوف داخل قالب من الشكوك المقيد للعقل المشل للتفكير والمستسلم للواقع وخانع للقيادة.

رحم الله عمر المختار وهو يمشي بأقدام ثابتة للمشنقة بثبات القيم والمبادئ التي اعدم من أجلها، وجمال عبد الناصر الذي سمم للقضاء على مشروع الامة، وكل القادة العظماء، وشهداء الثورات العربية، ومنها ثورتي سبتمبر واكتوبر، وتاريخ من الكفاح حرر الانسان من الاستعمار والامامة، من التخلف والجهل والفقر والمرض.

صفحات ناصعة من التاريخ  تعمد بدماء الشرفاء والطاهرين، مسيرة نضال وكفاح حملها رجال صادقون وعلى درب الحق سائرون، آخرهم المغفور له علي صالح عباد مقبل، لم يرضخوا أبدا، قضوا نحبهم بجباه عالية وانوف شامخه، مثلوا ضمير الامة خير تمثيل في خطاباتهم، وشرفونا في مواقفهم، لم يعتذروا للمستعمر، حملوا إرث نضالي وأغنوه ورسخوه في وجدان شعوبهم.
واليوم سياسي الغفلة مثل نفسه وجماعته فقط، عبر عن مشروعه الصغير، لم أشعر أنه يمثلني ولا يمثل عظمة الامة وضميرها، وهو يعتذر للمستعمر ويعدد انجازاته، دون أن يشير، ولو من بعيد، عن أطماعه، ونضالات الشرفاء في مواجهة تلك الأطماع، متجاهلاً الدماء الطاهرة التي روت الأرض المباركة، واستحقاقات الامة، من استعمار جثم على صدورنا عقد ونصف من الزمن.
سياسي هذا الزمن يصنعهم الجهل والعصبية، بتكرار تجارب عقيمة في صنع الطغاة، عندما يضعهم البعض في مرتبة عالية فوق مستوى البشر؛ البشر الخطاؤون، البشر المحكومون بقيم ومبادئ ونظم وقوانين، محكومون بكابح العقل الناقد. البشر المعرضون للمساءلة والاستجواب.
بعضهم عبيد لا يستطيع أن يعيش دون طاغية، لا يملك أدنى شجاعة في النقد، وتصحيح الأخطاء والاعوجاج الناتج عن بشر خطائين، عبيد يضعون قادتهم فوق مستوى الشبهات وزلات البشر، ويتركون لهم الحبل على الغارب ليحددوا مصير امة بمزيد من الطيش والزلل بقرارات فردية وتصرفات شخصية غير محكومة بأدبيات وبرامج ووثائق مشروع سياسي.
صنع الطغاة يستهوي العبيد في تبرير الاخطاء، وقلب الموازين، بل نسف القيم والمبادئ، وتغيير مجرى التاريخ، والتنازل عن عقود من النضال والتضحيات لإرضاء جهل وغرور الطاغية، تاركين لهم الحق في التسول بقضيتنا، وممارسة شتى سبل الزيف والدعارة، ويجدون من ينمق هذا القبح ويغطي عن ذلك العفن.
المصفقون والمرددون للعبارات دون علم ومعرفة، دون السؤال والاستفسار، يسكنهم الخوف داخل قالب من الشكوك المقيد للعقل المشل للتفكير والمستسلم للواقع وخانع للقيادة.
الطاغية لا يولد من العدم، يولد من العصبية ورحم الجهل والتخلف، من غياب النقد والمساءلة والمواجهة، من وضع الأفراد والزعامات فوق مصالح الامة وقضيتها، وإرثها النضالي على مدى قرون.
مؤشر الانهيار لأي بلد هو عدم قدرته على تطوير إرثه النضالي والسياسي والثقافي، يظل معاقاً ومتخلفاً، وماذا عن نحن عندما ننسف إرث عقود من النضال والتضحيات، فنصحر حياتنا لنتيح الفرصة للمتخلفين الجدد أن يؤسسوا عرش طغيانهم، بعقل قروي متخلف متعصب يعتلي منبر السياسة ليحدد مصير امة جذورها راسخ في عمق التاريخ.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.
 
 
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى