صخرة أنجلو.. وجائزة المنصور!
حسن عبدالوارث
قد يتّخذ وصف الابداع فهماً ميكانيكياً في بعض الحالات، بحيث يُطلق على فعل جديد وانْ لم يكن جيداً أو مُجيداً، أي لمجرد الجِدَّة وليس الجودة أو الاِجادة. يُطلق وصف الابداع على كل نشاط انساني متميز أو غير مكرور وغير شائع، ليس في الآداب والفنون، بل في العلوم التطبيقية أيضاً.
فمثلما ثمة مبدع في الشعر أو الرسم أو الموسيقى أتى بما لم يأتِ به أقرانه في هذا الحقل أو ذاك المجال، تلقى مبدعاً في الطب والهندسة والزراعة تجاوز قدرات زملائه في ميدانه وتغاير مع الاعتيادي في نشاطهم اليومي السائد.
وقد يتّخذ وصف الابداع فهماً ميكانيكياً في بعض الحالات، بحيث يُطلق على فعل جديد وانْ لم يكن جيداً أو مُجيداً، أي لمجرد الجِدَّة وليس الجودة أو الاِجادة.
وهو بالتالي لا يعدو أن يغدو مجرد طفرة مُوَقَّتة سرعان أو تذوب أو بريقاً خاطفاً سرعان أن يغيب. وهو لذلك ابداع زائف أو خادع. أما الابداع الحقيقي أو الأصيل فهو الذي يستمر ويؤسس لحالةٍ قائمة في الوعي والواقع على نحو مؤثر وفعال.
…
قيل لمايكل أنجلو: كيف تصنع من هذه الصخرة الصلدة الصمَّاء تمثالاً رائعاً ينبض بالحياة؟
ردَّ الفنان العظيم والدهشة تعلو قسمات وجهه: كيف تظنون أنني أصنع التمثال من الصخرة!
وأضاف موضحاً: انني حين أنظر إلى الصخرة أرى ذلك التمثال ماثلاً فيها بوضوح شديد. وما أفعله ليس سوى إزالة الشوائب وإزاحة الزوائد في الصخرة، حتى لا يبقى منها سوى ذلك التمثال.
وهنا ذروة الابداع الحقيقي. انه لا يرى في قطعة الحجر غير قطعة فنية بالغة الأثر. لم يرَ في الصخرة الصلدة الصمَّاء غير نبض الفن المتدفق بالذوق السامي والاحساس الرفيع.
…
جاء رجل إلى الخليفة المنصور، مستعرضاً بعض براعته، فراح يرمي ابرة فغرزت في الحائط ثم أخذ يرمي واحدة بعد أخرى فكانت كل ابرة منها تدخل في ثقب سواها حتى بلغ عدد الابر خمسين.
أُعجب المنصور ببراعته فأمر له بجائزة قدرها مئة دينار، ولكنه في الوقت نفسه حكم عليه بمئة جلدة.
ولما ارتاع الرجل ، متسائلاً عن السبب، قال له الخليفة: إن الدنانير مكافأة لك على براعتك، وأما الجلدات فهي جزاء لك لأنك أضعت الوقت في شيء غير ذي نفع.
وهذا صنف من المهارة -أو الابداع مجازاً- لا يؤدي إلى ثبات أثر في الوعي والوجدان، لا الفردي ولا الجمعي. والابداع الحقيقي لابد له من نفع، أما الزائف فسوى أنه لا ينفع فقد يضر أحياناً، على صعيد الوقت المهدور أوالجهد الضائع أو المال المندثر أو كلها معاً.
وفي واقعنا اليومي، في مجالات حياتنا كافة، ضروب شتى من الحالتين: الابداع الحقيقي وذلك الزائف.. غير أن ما يُؤسَف له ويثير الألم في النفس أن يطغى ذلك الزائف على ما هو حقيقي
.. وبالتالي يصير أصحابه هم أهل القرار والحل والعقد في أكثر أمورنا حيوية ومصيرية!
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.