الصحافيات في صنعاء… عودةٌ للعمل السري
أغلق الحوثيون منذ سيطرتهم على العاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر/ أيلول عام 2014، عشرات المقار الإعلامية بعد اقتحامها ونهب ما بداخلها، واضطر العديد من الصحافيين والصحافيات للفرار من المدينة خوفاً على حياتهم.
يمن مونيتور/العربي الجديد
“نعمل في السر”، بهذه الجملة حاولت الصحافيّة (ف. ع) أن تختصر الواقع الذي تعيشه عشرات الصحافيات اليمنيات في المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثيين.
لم تكد الصحافية الشابة تبدأ حديثها لـ”العربي الجديد”، حتى اشترطت عدم ذكر اسمها خشية تعرضها للأذى أو ربما للخطف من قبل الحوثيين “خوفاً على حياتنا وأهلنا من جماعة لا تحترم الإنسان قبل مهنة الإعلام، نعمل بأسماء وهمية”.
أغلق الحوثيون منذ سيطرتهم على العاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر/ أيلول عام 2014، عشرات المقار الإعلامية بعد اقتحامها ونهب ما بداخلها، واضطر العديد من الصحافيين والصحافيات للفرار من المدينة خوفاً على حياتهم.
وفقدت معظم الصحافيات أعمالهنّ فيما كان النزوح إلى مدن أخرى أو الهجرة خارج البلاد هو خيار أخريات بعدما ضاق بهنّ الحال، وفقدنَ مصدر رزقهنّ، خصوصاً أنّ الكثير منهن كنّ يقمن بإعالة عائلاتهن.
تقول الصحافية (ف.ع): “أصبحت مهنة الإعلام رعباً يلاحقني من مكان إلى آخر داخل العاصمة صنعاء. ما أن يقام أي اجتماع مع صحافيين إلا وتجد الأمن القومي، والزينبات (قوة نسائية تابعة للحوثيين)، تحيط بك من كل جانب، وهذا ما حدث معي في لقاء جمع عدداً من الصحافيين”.
ويواصل الحوثيون اختطاف نحو خمسة عشر صحافياً ويحتجزونهم في سجون بصنعاء. ومنتصف الأسبوع الماضي، أحالت المليشيا عشرة صحافيين للمحاكمة بتهمة “إذاعة أخبار وبيانات كاذبة ومغرضة وإعانة العدوان”، في إشارة إلى الحكومة المعترف بها دولياً والتحالف العربي الذي تقوده السعودية والإمارات.
وعبّرت نقابة الصحافيين اليمنيين عن رفضها لقرار إحالة الصحافيين المختطفين منذ ما يقارب أربعة أعوام إلى المحاكمة بعد فترة احتجاز تعسفية تعرضوا خلالها للإخفاء والتعذيب والحرمان من حق التطبيب والرعاية.
دفعن ثمناً باهظاً خلال الحرب
على مدى السنوات الأربع الماضية، دفعت الصحافيات والإعلاميات اليمنيّات الثمن باهظاً، وواجهنَ مخاطر وانتهاكات ومصاعب خلال تغطياتهن ونشاطهن في وسائل الإعلام.
وكشفت إحصاءات حقوقية سابقة عن تعرض صحافيات لمحاولات قتل وترهيب وكتم أصواتهنّ فضلاً عن إقصائهنّ عن وظائفهن وفصلهن من أعمالهن وإلزامهن بالتوقف عن الكتابة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
ومطلع ديسمبر/ كانون الأول من العام 2015، توفّيت المذيعة في “تلفزيون عدن” جميلة جميل، في ظروف غامضة في أحد الفنادق بالعاصمة صنعاء، فيما لم تعلن منذ ذاك التاريخ أية تفاصيل حول واقعة وفاتها رغم المطالبات بالكشف عن نتائج تشريح الجثة.
كما تعرضت صحافيات لمحاولة اغتيال، كما حدث لمراسلة تلفزيون “بلقيس” في تعز أنيسة العلواني، أواخر العام 2015، بعد استهدافها برصاص قناصة تابعين للحوثيين. وأسفر الهجوم عن إصابة سائق السيارة التي كانت على متنها.
وتعرضت الصحافية نهلة القدسي للاعتداء بالضرب من قبل مسلحين حوثيين يرتدون زياً عسكرياً في صنعاء أثناء تصويرها حادثة تفريق إحدى المظاهرات.
وأقصى الحوثيون عشرات الصحافيات من وظائفهنّ في وسائل الإعلام الرسمية، كما حدث في وكالة “سبأ” الرسمية، وتلفزيونَي “اليمن” و”سبأ”، واستبدالهنّ بمواليات للجماعة الانقلابية.
البحث عن عمل آخر
حال الصحافية (و س ع) لم يكن أفضل. إذ اضطرت لمغادرة صنعاء والنزوح إلى تعز والعمل في موقع إخباري، بعد طردها من الصحيفة التي كانت تعمل فيها بصنعاء، وتقول “لقد رأيت كيف تحظى إعلاميات محسوبات على الحوثي بالدعم المادي والمعنوي، فيما تم إقصاؤنا من أعمالنا بسبب شكوكهم بأننا نعمل ضدهم”.
ولم يكن الخيار متاحاً للصحافية (س. م) التي فقدت وظيفتها بعدما اقتحم الحوثيون مقر عملها في إحدى المحطات التلفزيونية في العاصمة صنعاء، وتقول في حديث لـ”العربي الجديد”: “عمل الحوثيون على إغلاق أي وسيلة إعلام لا تتماشى مع نهجهم، وفقدت مصدر دخل عائلتي التي أعيلها بمفردي”.
وتضيف “منذ دخول الحوثيين إلى صنعاء قاموا باعتقال الإعلاميين وداهموا منازلهم، وخشيت على نفسي، إذ لا يوجد لدى الحوثيين أي مانع من اعتقال امرأة وسجنها وتعذيبها”. وتتابع “بحثت عن عمل آخر، خصوصاً أن وضعي المادي أصبح صعباً، ولجأت إلى القبول بأي عمل ونسيت مهنة الإعلام خوفاً على نفسي وأهلي”.