جاءت ثورة فبراير لتصحيح الوضع العام لليمن، وكانت مليئة بالأحلام الكبيرة للثوار.. جاءت ثورة فبراير لتصحيح الوضع العام لليمن، وكانت مليئة بالأحلام الكبيرة للثوار..
نظام صالح رأى ذلك الفعل الثوري جريمة كبرى وواجه الاحتجاجات السلمية بالقمع المسلح الذي راح ضحيته عشرات الشهداء والجرحى، وعندما أيقن صالح أن الثورة مستمرة وقتلها بتلك الطريقة صعب أصبح مطلبه الوحيد هو الحصانة له ولرموز نظامه من المساءلة القانونية.
كان صالح ينظر لما آلت إليه الثورة المصرية ضد نظام مبارك ولا يريد أن يكون مصيره كمصير مبارك..
أما ثوار فبراير فكانوا ينظرون لما آلت إليه الثورة السورية ولا يريدون أن يكون دمار البلاد من نتائج ثورة فبراير، وفضلوا منحه الحصانة وتجنيب البلاد ويلات الحرب الأهلية.
وكعادة أي ديكتاتور يفقد السلطة أصبح تفكير صالح في كيفية الانتقام من الجميع وليس ممن وقفوا ضد نظامه فقط، وأراد إفشال أي حكومة قادمة حتى إذا كان نصيب حزبه الجزء الأكبر من حقائبها الوزارية، فالأهم لديه ألا يكون هناك أي بوادر نجاح في المستقبل.
جاء مؤتمر الحوار الوطني الشامل وكان حزب المؤتمر الذي يرأسه صالح من أكبر المكونات تمثيلاً في أكبر فعالية وطنية جامعة بتاريخ اليمن الحديث.
وعندما رأى صالح اليمنيين بمن فيهم أنصاره يرسمون إطار الدولة اليمنية الحديثة والتي بكل تأكيد لن تقبله رئيساً لها مهما كان الأمر، جن جنونه وقرر اللجوء لآخر أوراقه وهي الورقة العسكرية، ﻷنه لايوجد طريقة أخرى ﻹفشال مؤتمر الحوار الوطني طالما والجميع شاركوا في صناعة مخرجاته.
ورغم خطورة الخيار العسكري إلا أنه كان آخر الخيارات المتاحة لصالح فهو ﻻيريد استفتاء على الدستور ولا يريد قيام الدولة الجديدة أساساً، وكان يعلم أن أي تأخير في استخدام الورقة العسكرية قد يفقده السيطرة على جيشه الذي بناه طيلة فترة حكمه، ﻷن قيام دولة جديدة يعني أيضاً تشكيل مؤسسة عسكرية جديدة، وهذا الأمر سيفقده جيشه الذي لطالما جعل ولاءه لشخصه وليس للوطن.
وضع صالح جيشه بكل ترسانته العسكرية تحت أمر الحوثيين الذين كان أكبر أهدافهم حينها السيطرة على منطقة واحدة في عمران، فوجدوا عمران بكلها تحت سيطرتهم خلال فترة بسيطة.
تلك الفترة شهدت سباقا كبيراً بين الرئيس هادي والرئيس السابق صالح، فكان الأول يريد تنفيذ مخرجات الحوار واﻻستفتاء على الدستور لطي صفحة الثاني الذي يريد إفشال كل شيء في أسرع وقت.
دفع صالح الحوثيين للتوجه نحو صنعاء وكانوا خائفين من تلك الخطوة إلا أنه عززهم بالجنود بعد أن استبدلوا زيهم العسكري، وكثف اتصالاته بقبائل محيط صنعاء لإقناعهم بعدم اعتراض الحوثيين، كما أنه كان يخشى أن يتراجع الحوثيون عن هذه الخطوة وسخر منهم ليستفزهم على مواصلة تقدمهم للسيطرة على العاصمة “مش حاربي وارقدي”.
وعندما سيطر الحوثيون على صنعاء كان صالح يقهقه بأعلى صوته وهو ينتقم من خصومه، وفي نفس الوقت لايتحمل مسؤولية ذلك بشكل مباشر فمن ينفذون انتقامه هم “أنصار الله” كما كان يردد دائماً.
وبعد تراكم الأحدث واندلاع الحرب أعلن صالح بشكل مباشر شراكته مع الحوثيين ومنحهم كل مقدراته العسكرية والمدنية ولم يترك لنفسه إلا القليل ظناً منه أنه لن يفقد سيطرته على ما منحه للحوثيين، فاستغل الحوثيون ذلك واستبدلوا أنصار صالح بأتباعهم في المؤسسات المهمة..
وبعد أن تأكد الحوثيون من سيطرتهم على كل شيء بدأوا مضايقة صالح بإهانة أنصاره والاعتداء عليهم، لاختبار ردة فعله، لكنه كان يشيد بعلاقته مع أنصار الله في كل خطاب في الوقت الذي كان أنصاره يتوقعون ردة الفعل خلاف ذلك.
وعندما وصلت اعتداءات الحوثيين وإهاناتهم إلى أقرب الناس لصالح، قرر أخيراً أن يواجههم، فكان أحد ضحايا هذه المعركة الأقصر بين كل معاركه.
هذه الأحداث يعلمها الجميع، إلا من وقفوا مع صالح خلال فترة انتقامه، لأن مفاتيح عقولهم أثناء تلك الأحداث كانت بيد صالح واستطاع إغلاقها بإحكام ليمنعهم من استخدامها، وعندما قتل صالح وفتحت عقولهم وجدوا الحرب تعصف بالبلاد والقتل والدمار قد طال الجميع، وتساءلوا ما سبب ذلك؟!
لم يستطيعوا تذكر أي حدث بعد ثورة الحادي عشر من فبراير، لذلك لا غرابة إذا قالوا إن ثورة فبراير هي السبب الرئيسي للوضع المتدهور الذي تعيشه البلاد حالياً، فهي الحدث الأخير الذي يتذكرونه قبل مقتل صالح، لكن هذه المغالطات التاريخية لايمكن تمريرها على الجميع، كما أنه لم يحن وقتها طالما والحرب التي أشعلها المرحوم لم تنتهِ بعد.