اتخذ الربيع العربي مسار السلمية كثورة ناعمة، يقودها المجتمع المدني متخذه من الاعتصامات السلمية اسلوب الاطاحة بالأنظمة، في مرحلة لها ظروفها الموضوعية والذاتية.
اتخذ الربيع العربي مسار السلمية كثورة ناعمة، يقودها المجتمع المدني متخذه من الاعتصامات السلمية اسلوب الاطاحة بالأنظمة، في مرحلة لها ظروفها الموضوعية والذاتية.
كل شيء في الحياة متغير، يتطور مع تطورات العصر والحاجة ، حاجة الانسان اليوم ليست كحاجته بالأمس، والثورة هي فعل تفرضه الحاجة، وهي في حراك دائم ضمن الواقع.
إذا كان الانسان في الماضي يحتاج للثورة المسلحة لتغيير واقعه (انقلاب عسكري)، اليوم الانسان أكثر وعياً وتجربة، وجد أن الثورة المسلحة لا تنتج تغيير ملبي لحاجات الناس، بل تضاعف من حجم أعباء الناس بما تنتجه من تداعيات، تصدر العنف والقوة المفرطة والعضلات، لتغييب العقل والمنطق والحوار والأفكار، ما يجعل الأرض خصبة لنبت مكونات طارئة أكثر عنف وتهور وطيش واستحواذ وتجريف للتنوع الفكري والثقافي والسياسي، فتنتج سلطة الفكر الواحد والنظام الشمولي، الذي يحدد نوع الشراكة وشكل الدولة ومشروعها، وعلى الآخرين القبول بالأمر الواقع، أو يتحولون لخصوم وأعداء لمرحلة الثورة الذي تحددها القوة الأكثر سطوة على الأرض وهي المستبد الجديد الذي تفرضه مرحلة الثورة المسلحة.
السلمية هي الأكثر فعالية اليوم، حيث التغيير السلمي والسلس والتوافقي، لفرض واقع فيه الكل شركاء في التغيير والحياة، شركاء في العملية السياسية التي يحكمها النظام والقانون، حيث يمتثل الجميع للعقد الاجتماعي المتفق عليه وهو الدستور، المشروط بتحييد العنف والسلاح، بحيث ينحصر على قوات مسلحة وطنية محايدة تحمي التوافق والعقد الاجتماعي، ثورة سلمية تحفظ التعايش والتنوع والإرث الفكري والثقافي والسياسي، والحفاظ على المنجزات الايجابية وتطويرها واصلاح الاعوجاج وما هو سلب؛ ثورة بناء لا هدم واصلاح لا تجريف، تحفظ حق الناس في التعبير والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية.
العنف يفرض أمر واقع على الآخرين تقبله، هو وسيلة المستبد لفرض استبداده، ولن يتم ذلك دون زجّ واقع الثورة نحو العنف، ليتمكن من احتوائها واختراقها، هو وحده مالك القوة ومستعد بمليشيات اعدها لذات الغرض، وأعطاها وصف ثوري أو مظلومية ما، وما الانقلاب إلا مخطط استخدام وسائل كانت معدة كاحتياط حان استخدامها، حتى وإن كانت الفخ الذي قلب السحر على الساحر، لكنها زجت بالوطن في اتون عنف وحرب عبثية احرقت الأخضر واليابس. وهكذا الجنوب والمليشيات المعدة سلفا، تسليح شباب من الحزب الحاكم من أبناء قيادات ونشطاء فيه، لزجّ عدن والجنوب في أتون عنف وعنف مضاد، لتبرير مقاومة الثورة بالعنف، وعندما ينتشر السلاح في الساحات يبرر ما يحدث من قتل وانتهاك، لتفرغ الثورة من قيمها ونبلها وسموها، فيسهل الانقضاض عليها، وامتطائها والعودة لسدة الحكم من خلالها، وهذا ما يحدث اليوم على الواقع المكونات الطارئة اليوم تجرنا للتسليم للثورة المضادة، مهما رفعت من رايات وشعارات الثورة، مكونات تحولت لوكيل حصري للأطماع الخارجية ووكلائها في الداخل، ليعودوا بنا لبيت الطاعة.
هذه المكونات الطارئة تدعم استمرار الحرب العبثية، تشكل لها أذنابها من منظمات مجتمع مدني ونقابات وهيئات ثقافية وفكرية واتحادات ادبية، لتجعل كل شيء يخدم سياستها ومشروعها، تجرف الحياة من مكوناتها الأصل وارثها وتنوعها وفسيفسائها الجميلة، لتحصرها في بوتقة واحدة تخدم أطماعها وتنفذ سياساتها العقيمة، بحيث لا تضع الحرب أوزارها إلا فيما يخدم تلك الأطماع.
بالأمس، كان اضراب المعلمين السياسي، واستثمار المعاناة والمظالم في حق شريحة هامه من المجتمع، شريحة التنوير والعلم والمعرفة، في ضغط سياسي وتعصب أيدلوجي، واضح في الشتم وتعزير واتهام الآخر وتكفيره ، واليوم اضرب القضاة والنيابة، في ظل واقع يسوده الانفلات الأمني والانتهاكات وهدر الحقوق وتغلغل الفساد والافساد في الحياة العامة ومؤسسات الدولة والبسط والنهب والفوضى، وصوت المظلومين صداه يرن في شوارع عدن من السجون والتعذيب والاخفاء القسري. في الوقت الذي نحن في أمسّ الحاجة لترسيخ العدل وانصاف الناس لتطبيع وضبط ايقاع الحياة العامة والاستقرار العام واصلاح ما يمكن إصلاحه واستقامة الاعوجاج؛ اضرب يزيد من حجم المأساة، ما لم يكن اضرباً سياسياً للضغط على الأطراف الاخرى لتستسلم لواقع الأمر الذي يراد فرضه.
إذا عرف السبب بطل العجب. الثورة المضادة تعمل من خلال المكونات الطارئة العنيفة التي أوجدتها الحرب، وهي معروفة لنا اليوم بفعلها على الأرض، العنف أتاح لها الفرصة لتتصدر المشهد بصور ثورية مزورة، لتعيد إنتاج نظام استبدادي عفن، ويعود بالماضي بشكل آخر منمق وجوهر أكثر عفننا.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.