(تحقيق حصري) “والدي أنت مرجف”.. كيف أصبح تلاميذ المدارس وقوداً لحرب الحوثيين؟
تحقيق يكشف كيف يسيطر الحوثيون على الأطفال من المدارس وكيف يعودون إلى عائلاتهم أو لن يعودوا؟! يمن مونيتور/صنعاء/خاص:
خرج “أمجد” (14عاما) بجسمه النحيل من مدرسته في صنعاء معلنا الجهاد ضد “الدواعش” لتبدأ مرحلة جديدة في حياته، فلم يذهب إلى المنزل كالعادة بل إلى “جبهات القتال” التابعة للحوثيين، ومنذ أشهر لم تعرف العائلة بمصيره.
كان “أمجد” هادئاً يعيش مع عائلته في منطقة “وادي أحمد” وهي منطقة فقيرة في العاصمة صنعاء، ويقوم الحوثيون بحملات إلى المدارس والمساجد والأحياء لتحشيد مقاتلين جُدد إلى جبهات القتال اليمنية ضد الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً. ويطلق الحوثيون لفظ “دواعش” على معارضيهم في إشارة إلى أنهم تابعون لتنظيم “الدولة الإسلامية”.
وقال عميد في الجيش اليمني اشترط الإشارة إلى اسمه بـ”م . علي” أثناء حديثه لـ”يمن مونيتور” إنه حاول بكل جهده “جعل من أولادي بعيدين كل البعد عن السياسة والعنف والحرب وأن أخلق لهم جواً هادئاً كي يحصلوا على فرصتهم في التعليم لكني أيقنت فعلاً أن أولادنا لم يعودنا ملكنا”.
“أنت من المرجفين”
رفض علي المشاركة في الحرب الدائرة وفضل البقاء خارج الاستقطاب العسكري لكنه فشل في مهمة إبعاد ابنه عن الحوثيين الذين سيطروا على المدارس الحكومية ويشنون حملات استقطاب وتجنيد محمومة.
لم يكن يعتقد علي أن الخلل سيأتي من المدرسة التي استخدمها الحوثيون للسيطرة على ابنه، لذلك كان يركز على أصدقاءه والمقربين منه.
وأضاف العميد قائلا: “الصدمة الحقيقية التي تعرضنا لها عند وصف ولدي لي بأنني ضمن قائمة المرجفين، وعند سؤالي له منهم المرجفين قال: أنتم مرجفين لا تريدون الشهادة والموت في سبيل الله اعظم مكانه؛ نعم المرجفين هم من يطالبون بالمعاشات ويرفضون الذهاب للدفاع عن الوطن”.
أطفال في مسرح لمدرسة يتحدثون عن “الشهادة” والقتال وغارات التحالف
يقول علي إن المدارس أصبحت “عبارة عن أماكن لتزييف عقول الطلاب ومحطة خصبة لاستقطابهم، نعم لاحظت هذه من خلال تصرفات ولدي أمجد الذي بدأ بشكل مفاجئ عندما دخل البيت وقال أريد الذهاب للجهاد لقتال الدواعش وكانت هذه البداية”.
عيّنت جماعة الحوثي شقيق زعيم الجماعة يحيى الحوثي وزيراً للتعليم في حكومة الجماعة غير المعترف بها دولياً، وخلال وجوده قام الحوثي بتغيير المناهج لتتضمن أفكار الجماعة الطائفية والعنيفة.
خارج المنزل
قال العميد إن شجاراً نشب بينه ونجله “أمجد” ومع الكثير من الحديث أيقن علي أنه فقد أمجد إلى النهاية، فأصبح أمجد يرفض أي حديث مع العائلة.
وأضاف: “من بعدها أصبح يقضي طول أوقاته خارج المنزل ولا نعرف أين يغيب عنا. وحاولت البحث والإجابة على العديد من التساؤلات.. من قام بغسل دماغه من غرر به من ومن؟”.
خرج أمجد من المدرسة، وأصبح مرتاداً على مجالس الحوثيين في الحي، حيث يقوم الحوثيون بإلقاء محاضرات للتحريض على قتال الحكومة اليمنية ومواجهة “المرجفين” الذين تخاذلوا عن القتال إلى صفوف الجماعة، من بينهم والده الضابط في الجيش اليمني.
تقول والدة أمجد إنه كان يعود إلى المنزل وهو يحمل هاتفه يستمع إلى “زوامل” الجماعة. والزامل فن شعبي يستخدم لشد حماس رجال القبائل للحرب، ويجيد الحوثيون استخدامها في دفع المقاتلين إلى جبهات القتال وتحتوي بعض الكلمات إشارات وتصريحات “طائفية” و”عنصرية”.
تضيف والدة أمجد أنه وبعد خروجه من المدرسة كان دائما يتحدث أن “المدرسة دون فائدة وأن حلمه هي الشهادة”.
التحق أمجد بدورة تدريبية للحوثيين من أجل المشاركة في القتال، وقال والداه لـ”يمن مونيتور”: ذهب دون أن نعلم وهو الآن يقاتل في الساحل الغربي لليمن حيث تدور أعنف المعارك.
خلال الأعوام الماضية وضعت الأمم المتحدة جماعة الحوثي ضمن القائمة السوداء التي تنتهك الأطفال. وفي تحقيق لوكالة اسوشيتد برس قال مسؤولون من الجماعة إن 18 ألف طفل يقاتلون في صفوف الحوثيين.
مشاريع الموت
رفض مدير مدرسة أمجد الحديث لـ”يمن مونيتور” عن كيف تحول “أمجد” إلى مقاتل مع الحوثيين، لكنه قال إن “التعليم انتهى في اليمن، وأن الطلبة مشاريع موت ولم يعودوا مشاريع مستقبل مشرق كما كنا نتحدث معهم”.
في وزارة التربية والتعليم تحدث موظف في الأنشطة المدرسية لـ”يمن مونيتور” بالقول إن الجماعة تقوم بفرض “إذاعات مدرسية” عن القتال و”الجهاد” والجبهات بشكل دائم، ويحضر ممثلون من الجماعة إلى المدرسة لمخاطبة الطلبة يشمل ذلك المدارس الأهلية وليس فقط الحكومية.
وقال معلم في مدرسة أهلية تحدث شريطة الكشف عن هويته، إن الحوثيين طوال الأسبوع الماضي فرضوا إذاعات بمواضيع محددة على كل المدارس، عن “مؤسس الجماعة، وكفاح الجماعة، ومستقبل الجماعة وانتصارها، وتسرد اتهامات ضد الحكومة ومسؤولوها بما فيها اتهامات أخلاقية”.
يتفق الموظف في وزارة التربية الخاضعة للحوثيين والمعلم أن “مستقبل اليمن المتمثل في الأطفال يبدو أنه ضاع وستحتاج أي دولة جديدة إلى عقود من أجل إصلاحه، هناك استهداف ممنهج للوعي في أخطر مرحلة تحدد التوجهات للأطفال”.
وأبدى موظف في التوجيه المعنوي التابع للحوثيين، الذي يرفض استهداف الطلبة في المدارس لـ”يمن مونيتور” تعجبه من قدرة الحوثيين على تغيير قناعات الأطفال والطلبة لهذه الدرجة.
وقال: إن الحوثيين يسرقون الأطفال من بين عائلاتهم وتجعل ولائهم للجماعة وحدها.
تحدثت معظم المصادر دون الكشف عن هويتها خشية انتقام الحوثيين. ورفض مسؤول بارز في المكتب السياسي لجماعة الحوثي التعليق على الموضوع في اتصال مع “يمن مونيتور”.
سيعود إلى القتال
يقول محمد يحيى وهو مقاتل من الحوثيين في سن (15 عاماً) تعرَّضت قدماه للبتر وأصبح على كرسي بعد إصابته بقصف جوي العام الماضي في نهم شرقي صنعاء لـ”يمن مونيتور”: إنه سيعود إلى جبهات القتال إن كان قادراً على ذلك، مجدداً الولاء لجماعة الحوثي المسلحة.
التقى “يمن مونيتور” يحيى في مشفى أهلي في صنعاء برفقة والدته التي كانت تستنكر حديثه نجلها وقالت لـ”يمن مونيتور”: لم أكن أعرف إنه ذهب إلى الجبهة حتى تلقيت اتصالاً منه يخبرني إنه في جبهات القتال بعد انقطاع دام أكثر من شهر ونصف.
تقول والدة محمد إنها ظلت تبكي لأيام، واعتقدت أنها خسرته تماماً، حتى عاد بعد اتصاله بأسابيع لكن بدون رجليه.
يسرقون أولادنا
الموظفون الحكوميون يشكون أيضاً، موظف في قطاع التلفزيون الحكومي الخاضع للحوثيين في صنعاء تحدث لـ”يمن مونيتور” وطلب الإشارة لاسمه ب”أ.حميد” بالقول: ذهب ثلاثة من أولادي لجبهات القتال بدون أخذ الإذن مني حاولت إقناعهم لكن دون جدوى.
وقال إن أولاده الثلاثة اتصلوا من ثلاث جبهات مختلفة من أرقام مختلفة في أوقات متفرقة العامين الماضيين ليبلغوه أنهم أصبحوا في الجبهة.
صلاح أصغر أولاده اتصل بوالده أخبر والده مع وصوله جبهة صرواح وقال له: أنا في الجبهة اخترت طريق الشهادة. يقول حميد “تلعثمت ولم أدري ما أرد وما كان مني إلا أن أغلق سماعة الهاتف”.
كانت والدة “أمجد” تبكي عندما تحدثت لـ”يمن مونيتور” فيما والده العميد في الجيش طأطأ رأسه وقال: الأوغاد يسرقون منا أولادنا.. أمجد لم يعد للمنزل ولا نعرف مصيره.