تصعيد إعلامي ضد مدير مكتب الرئيس يكشف تصاعد الصراع السياسي الخفي (تحليل خاص)
يمن مونيتور – من عبدالملك الطيب
موجة من الصراع السياسي المحموم بين مسار الحل السياسي المستند على المرجعيات الثلاث الذي تصر عليه الشرعية بقيادة عبدربه منصور هادي وبدعم مباشر من المملكة العربية السعودية، وبين مسار الحل السياسي الذي يتجاوز هذه المرجعيات ويبقي على الحوثيين كجماعة مسلحة، وهو المسار الذي يطمح إليه الحوثيون وإيران، وتتبناه بعض الأطراف الدولية التي ترى في الحوثي مشروعها، أو لابتزاز المملكة والخروج بأكبر قدر من المكاسب خلال موسم الكسب الكبير، ومعها الإمارات كطرف إقليمي داخل التحالف.
على المستوى المحلي، الحوثيون ليسوا الطرف الوحيد الذي يطمح إلى هذا الحل، بل تشاركهم أطراف أخرى، ولكل منها أهدافه الخاصة التي اقتنع أنه سيحصل عليها في نهاية هذا المسار، أو لم يقتنع بها لكنه أبدى استعداده بتبني هذا المسار وأن يعيش هذا الدور مقابل أشكال الدعم والمكاسب الآنية التي يحصل عليها من الإمارات.
مع تصاعد حدّة الصراع السياسي الذي يحدث بين فترة وأخرى، يجد هؤلاء أنفسهم عاجزين عن إعلان الخصومة مع المملكة ومجاهرتها بالموقف المضاد، كما يجدون حرجا من إعلان الخصومة المباشرة مع الرئيس عبدربه منصور هادي، كونه رئيس الدولة ورئيس السلطة الشرعية المعترف به وبها إقليميا ودوليا، ومن شرعيته يستمد التحالف بقيادة المملكة شرعية تدخله في اليمن.
خطان متناقضان أتاحهما الواقع أمام هذه الأطراف: الأول هو خط الخصومة مع المملكة والرئيس الذي تفرضه عليهم أهدافهم، والثاني هو التحاشي للخصومة معهما والذي تفرضه عليهم ظروف الواقع ومعطياته. عجزت تلك الأطراف عن خلق مسار ثالث يمكنها السير فيه، لتلجأ إلى المراوغة، والحاجة كما يقال: أم الاختراع.
وقد اخترعت خطابا سياسيا وإعلاميا تضعه كقناع على وجهها، فتمضي به في الخصومة مع المملكة والشرعية، وفي ذات الوقت تخفي به شخصيتها فيما تظل تتظاهر بالعكس، وبهذا تعمل ضد المملكة والرئيس وتحقق الهدف من العمل ضدهما، ودون أن تتحمل شيئا من التبعات لهذا التوجه.
تبدو هذه الأطراف في هيئة مثيرة للسخرية وهي تتوارى خلف هذا القناع الذي مزقته عوامل التعرية السياسية حتى لم يعد قادرا على إخفاء ملامحها، ومثيرة للتندر وهي تمشي بهذا التناقض كالنعامة التي لا تمل من تحريك أجنحتها أثناء المشي لتوهم نفسها والناظرين أنها طير وأنها بصدد الاستعداد للطيران، لكنها لا تقنع أحدا بأنها طير وأنه لا يمكنها أن تطير، وفي كل مرة لا يحمر وجهها من الخجل، بل تتباهى إذ ترى أنها تحقق إنجازا بكونها استطاعت أن تقنعهم على الأقل بأنها ليست جمل!!
في ذكرى ثورة 14 أكتوبر من العام الماضي، خرج الرئيس هادي على شاشة التلفزيون الحكومي الرسمي بخطاب ساخن، مشنعا على هذه أطراف لم يسمها، واتهمها بالمحاولة الفاشلة في إسقاط الدولة عسكريا.. اتجهت الأنظار ساعتها نحو “المجلس الانتقالي” كطرف مقصود بالاتهام، لكونه الطرف الذي أشعل الحرب في عدن مطلع العام وأراد بها إسقاط الدولة. بالطبع لم يكن الرئيس يقصد الانتقالي إلا من حيث هو أداة، كون الانتقالي لا يملك قرار تلك القوات العسكرية التي يدعي تبعيتها له، أو ينسبها إليه غيره لأهداف معينة، فهو ليس من يقوم بتسليحها، ولا من يدفع رواتبها، ولا من يتحمل موازناتها التشغيلية، وبالتالي: ليس من يملك قرارها.
وأردف الرئيس متهما ذلك الطرف بأنه فشل في إسقاط الدولة عسكريا، فأراد أن يسقطها اقتصاديا. لقد كان يشير بهذا إلى مؤامرة خلف الارتفاع المفاجئ للدولار ذلك الحين قبل أن تتدخل المملكة، وبالطبع لم يكن يقصد الانتقالي، فليس الانتقالي من يسحب العملة، وليس ذلك بمقدوره أصلا.
يومها، خرجت قيادة الانتقالي بردود فعل إعلامية عنيفة، لكنها فعلت ذلك وهي ترتدي ذلك القناع الذي سبق لها اقتناؤه من أجل السير به بين الخطين النقيضين المشار إليهما، خط الحرب على الرئيس وادعاء العكس، فراحت تبرئ الرئيس من ذلك الخطاب، وتنسبه إلى الدكتور عبدالله العليمي الذي قالت إنه هو من كتبه للرئيس.. يومها، لم تنتبه إلى أن الرئيس ألقى ذلك الخطاب ارتجالا من غير ورقة، وربما أن القناع انحرف بعض الشيء وأغلق عيونها، أو لعل المساحة بين الخطين المتناقضين ضاقت أكثر، فلم تجد خيارا آخر.
يتحاشون الاستهداف المباشر للمملكة، ويستهدفونها بطريقة غير مباشرة من خلال استهداف الشرعية، ذلك أن إسقاط الشرعية يعني مباشرة إسقاط أهداف المملكة وشرعية تدخلها في اليمن، والانتقاص من الشرعية يعني مباشرة الانتقاص من شرعية المستند القانوني لتدخل المملكة.. وفي ذات الوقت يتحاشون في معظم الأحيان استهداف الرئيس بشكل مباشر، ويلجؤون لتنفيذ ذات الهدف بطريقة غير مباشرة من خلال التصعيد ضد مدير مكتبه عبدالله العليمي، فيما الرئيس هو المقصود كممثل للشرعية، ومن ورائهما المملكة بالطبع.
من الملفت، أن الرئيس لا يتوقف عن إظهار إدراكه لهذا الأمر، وكأنه يتعمد إبداء المزيد من الثقة بمدير مكتبه العليمي كلما زادوا في هجومهم عليه، حيث قام بتعيينه في وفد الشرعية بمشاورات السويد، ولا يكاد يلتقي بمسؤول كبير في أي من الدول الكبرى إلا ويظهره معه بالجوار، خاصة في لقاءاته بالملك سلمان وولي عهده.. وإلى غير ذلك من المظاهر.
ساد الهدوء خلال الفترة الماضية حتى انتهاء مشاورات السويد، ليقوم “ضاحي خلفان” في ذات اليوم الذي اختتمت فيه تلك المشاورات بتدشين هجوم حاد على الرئيس هادي، مبشرا بموج سياسي من فوقه موج إعلامي ضد الرئيس والمملكة، واستمر التصاعد وصولا إلى ما هو عليه اليوم، مع عودة الارتفاع التدريجي للدولار أمام الريال.
يكثفون الخطاب المهاجم للرئيس هادي، وشنوا على السعودية عبر وسائل إعلام الانتقالي هجوما هو الأول من نوعه، وكان النصيب الأوفر فيه للسفير محمد آل جابر، ثم بدا لهم أن هذه الخطوة حمقى، أو ربما اكتشفوا أن ذلك القناع سقط من على وجوههم دون أن يشعروا..
تأخروا بعض الشيء في اكتشاف سقوطه، لكنهم سرعان ما التقطوه، ليتوقفوا عن الاستهداف المباشر للمملكة والرئيس، ويعودوا إلى حيلتهم السابقة والتي تتمثل في استهداف المملكة عبر استهداف الشرعية، واستهداف الرئيس عبر استهداف عبدالله العليمي.
لا فرق يصنعه القناع الممزق إذن، ووجوده كعدمه، كما لا فرق بين أن تحرك النعامة أجنحتها أثناء الركض أو لا تحركها.