“بعض الناس يتكلمون لأن أفكاراً هامة تتزاحم في رؤوسهم.. أما آخرون فيتكلمون، فقط لأن أطراف ألسنتهم تحُكُّهم”! يظل المبدع الكبير كبيراً بإبداعه، فيما يتهافت صغار المبدعين -أو أنصافهم- أو الدخلاء على عالم الابداع، حتى يبلغ بهم هذا التهافت أدنى الدرك.
فالمبدع الكبير يظل ينهل من بحر المعرفة ويستزيد. لا تنطفىء له نار ولا يخفت له وهج، مهما بلغ من تقادُم السنّ أو تلاطمت به صروف الدهر. وهو لا يشعر البتة أنه اكتفى، بل لا ينوي أن يكتفي أبداً.
أما الصنف الآخر فحسبه أنه مرَّ على القشور من دون المساس باللبّ، وارتضى بالرخيص من دون النفيس، وبالزائف من دون الأصيل، وباليسير من الجهد والقليل من الوقت. وهو سرعان ما يغمره الشعور بالفيض الابداعي أو التخمة المعرفية، فيما الخواء يستوطنه من أُمّ رأسه حتى أُخمصي قدميه!
تتواتر هذه الخواطر إلى ذهني كلما قرأت ابداعاً جديداً جميلاً لأحد المخضرمين من المبدعين ممن لم تفُت في عضدهم الذهني نائبات الدنيا ومصائب المعيش.. في الوقت الذي يظل أقزام الابداع يتضاءلون، برغم كثرة ما يُدبّجونه من غثّ القول ورثّ الكلم، مما يظنونه ابداعاً لم يأتِ بمثله الفطاحل الشداد!
وكلما نظرت إلى هذا المشهد، داهمتني في وجهه الأول أبيات أبي العلاء:
“وانّي وإنْ كنتُ الأخيرَ زمانهُ
لآتٍ بما لم تستطعهُ الأوائلُ”.
أما في وجهه الآخر فيصدمني قول دعبل:
“إنّي لأفتحُ عيني حين أفتحُها
على كثيرٍ ولكنْ لا أرى أحدا”.
وأعود أُردّد مع رسول حمزاتوف:
“بعض الناس يتكلمون لأن أفكاراً هامة تتزاحم في رؤوسهم.. أما آخرون فيتكلمون، فقط لأن أطراف ألسنتهم تحُكُّهم”!
*المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.