هذه هي سنة كرة القدم، عاداتها، تقاليدها، إما أن تؤقلم مشاعرك مع شغف اللعبة وسحرها، وإما تنسى كل شيء وتخرج من اللعبة.
لن ترضى عنك الجماهير أبدًا، مهما فعلت لابد من انشطار المشاعر حولك، ستكون محورًا للجدل. كل حركة قمت بها ستسجل عليك، وبعضهم سيدونها لك، كم أنت متعب حين تسدد هدفًا وكم أنت متعب حين تسمح للخصم بتسجيل هدفًا في فريقك.
هذه هي سنة كرة القدم، عاداتها، تقاليدها، إما أن تؤقلم مشاعرك مع شغف اللعبة وسحرها، وإما تنسى كل شيء وتخرج من اللعبة.
ما ليس محزنًا، أن المشاعر برمتها وانقسام الجماهير، لا تتعلق بكرة القدم فحسب، بل تمتد إلى جوانب أخرى في حيوات البارزين، لا بد من انقسام حول المبدع خاصة إذا ولد في دولة وحمل جنسية دولة أخرى.
هل استشعرت الأمر الآن؟ يبدو مربكًا. كيف سيكون إذن إن سجلت هدفًا في مرمى موطنك الأصلي باسم الوطن الذي رعرع موهبتك ومنحك الجنسية.
من عادات اللاعبين في كرة القدم، أنه حين ينتقل من فريق إلى آخر، وحدث أن التقى الفريقان وسجل اللاعب هدفًا لفريقه الجديد على فريقه القديم، يكظم فرحته احترامًا لمشاعر الجماهير التي هتفت باسمه يومًا ما، أو حتى التي نادت برحيله، يفعل ذلك وإن أهمله المدرب وضايقته الإدارة، لقد نالت هذه العادة صبغة أخلاقية عند بعض اللاعبين، لكن بعضهم يفرحون ويبسطون أيديهم مجدفين بأجنحة الفرحة، لقد أثبتوا كم هم مهمين وموهوبين لكن أحدًا لم يراع موهبته ويمنحها حقها.
الجماهير ستنتقدك، تلومك، تعاتبك حتى الشتيمة، عندما تفرحهم هم من سيفرحون، وعندما تخطئ وتحزن لا أحد سيسندك ويربت على كتفيك، لن تجد من يلفت إليك، ستكون أنت أنت، تتحطم من الداخل وربما تنسحق موهبتك وتضيع، سيفرحون مرة أخرى إن عدت وأفرحتهم.
إخفاء المشاعر نوع الكذب، الصدق هو الإفصاح عن السجية بلا مواربة ولا ايماءات. حسنًا فلتعبر عن نفسك كما شئت، هذه هي كرة القدم، سنن وعادات، وهذه هي ردة فعل الجماهير، مؤقتة مرهونة بموقف مؤقت..
هذا الأسبوع، سجل اللاعب القطري بسام الراوي هدفًا جميلًا في مرمى العراق. المدافع الصلب قبل اصبعه، فرح في الميدان، فرح في غرفة الملابس، فرح في مواقع التواصل، لقد نقل المنتخب الذي يلعب معه إلى الدور المقبل في اتجاه الكأس.
بسام من بلاد الرافدين، لكنه يحمل الجنسية القطرية. لقد لامته الجماهير لفرحته تلك..
من الصعب أن تحكم على بسام، ومن الصعب أن تلوم الجماهير.
مما قيل: أن الشاب عرض على مسؤولي الكرة في العراق، لكنه لم يعجبهم، فاتجه نحو الخليج بحثًا عمن يقدر موهبته، فحطت قدمه في قطر. وإن جاء ألف سبب وألف عذر، لن يمحي ذلك لوم الجماهير.
اللوم هنا مقترن بخروج العراق ليس إلا.. الآن كلما تقدم بسام خطوة سيحتفي به العراق، هذا من بلدنا، نحن أصله وفصله.
يجب فصل المشاعر المنسلة من العاطفة عن عوالم اللعب.. هل تذكرون كم كنا نشجع الملاكم نسيم حميد، الملاكم الذي يلعب باسم بريطانيا، كنا نرفع رؤوسنا كلما فاز، فقط لأن أصله يمني.
ضاع نسيم.. لم يعد يسأل عنه أحد.. حتى أن بريق البطولة خفت في أعيننا تجاهه.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.