المشكلة أني أجد تناقلا سريعا لمثل تلك الأخبار والمعلومات والأدهى أن تجد محللا سياسيا أو مثقفا يبدأ في تحليلها والبناء عليها دون أن يكلف نفسه فحص مصداقيتها، وهنا أتحدث عن مثقفين لا مجرد مفسبكين!!
بين فترة وأخرى أجد معلومات وأخبار منتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي بعضها أدرك من اللحظة الأولى زيفها وفبركتها وبعضها يختلط فيها الصادق بالمزور وبعضها يحتاج لبحث عن مصداقيتها.
المشكلة أني أجد تناقلا سريعا لمثل تلك الأخبار والمعلومات والأدهى أن تجد محللا سياسيا أو مثقفا يبدأ في تحليلها والبناء عليها دون أن يكلف نفسه فحص مصداقيتها، وهنا أتحدث عن مثقفين لا مجرد مفسبكين!!
أحيانا نفقد البوصلة حينما يكون همنا أن ننتقد جهة بعينها أو ندافع عن جهة بعينها، فنستخدم الغث والسمين، الصحيح والمزيف لنخدم قضيتنا وهذا شيء خاطئ وتعود نتائجه عكسية.. صحيح أننا في مجال الحرب قد نستخدم أسلوبا تكتيكا في إبراز خبر على آخر أو غير ذلك من وسائل التكتيك التي تلجأ إليها في حالة الحرب ولكن ذلك التكتيك لا يكون بتلقف كل خبر مزور.
لطالما تمنيت أن تقرر الجامعات على طلابها مادة إلزامية اسمها “التفكير الناقد” إذ لا قيمة للشهادة الجامعية إن لم توحد بين طلاب الجامعة في مستوى التفكير العلمي والذي يخدمهم في حياتهم العلمية أكثر من المعلومات التي يتحصلون عليها في الجامعة.. ولا قيمة لشهادات الدراسات العليا التي هدفها الأساس أن يكون لدينا باحثون يمتلكون أخلاق وأساسيات البحث العلمي ويعكسون ذلك على طلابهم وحياتهم العامة فيصبغون المجتمع بالنكهة العلمية قدر الاستطاعة، لكننا نجد أولئك وعوام الناس في طريقة التفكير واحدة، مع زيادة تدليس هؤلاء باعتبارهم يحملون حرف الدال الذي جعل كلامهم اللاعلمي ذا قيمة عند الناس.
كيف نفحص المعلومة التي نلاقيها كل يوم وكيف تتكون لدينا ملكة التفكير الناقد حتى نستطيع أن نتعامل بسرعة مع معلومات وأخبار متسارعة إن لم نتحصن ولو بالحد الأدنى من التفكير الناقد.
قبل سنوات كانت تنتشر صورا لا معقولة تتحدث عن حرق مسلمين في بورما على شكل جماعات كبيرة!! وبعد الفحص تبين أنها مزورة برغم وجود مأساة حقيقية هناك تعاني منها أقلية الروهينجا من مسلمي ميانمار ولكن تلك الصور ليست لها.
مؤخرا ظهرت مذيعة بريطانية اسمها كلير فورستير في قناة بي بي سي البريطانية، تتحدث عن الإعجاز العلمي في القرآن وأن القرآن تحدث عن النظريات العلمية قبل 1400 سنة، والسؤال الذي يتبادر للذهن ما هو تخصص هذه المذيعة لتهتم بهذا المجال وتتحدث عنه؟ ولماذا لم تسلم بعد سردها لكل تلك الحقائق كما تراها؟ بعد بحث بسيط اتضح أن تعمل بمقابل مع جمعية إسلامية اسمها “لا تعارض” لتقدم برنامجا يخدم الإسلام في أوروبا.. ولأننا في البلدان العربية نتلقف الترجمة على أنها كلام علمي اعتبرنا ما تقوله صحيحا تماما.. قد تكون نوايا الجمعية طيبة وخيرة وأنا لا أنتقد أن تقوم بعمل تراه يخدم قضيتها، ولكني أنتقد أولا تلقف الناس لذلك على أنه كلام علمي، وأنتقد أيضا مضمون ذلك الكلام الذي يحمل النصوص ما لا تحتمله ونحن في غنى عن ذلك كله.
قبل أيام انتشرت صور عن “صرار الليل” الذي انتشر بمكة، شاهدت صورا لم أقتنع بها وشاهدت أخرى فيها شيء من الوجاهة، وبعد فحصها تبين أن الذي من الصور لم يكن كله حقيقيا فبعضه حقيقي وبعضه مزيف.
إنه عمل مرهق أن تتفحص كل معلومة وكل خبر ولكني أؤكد أنه مع الأيام تصير ملكة عند صاحبها فتسهل عليه المهمة بشكل أسرع.
كنت أعاني كثيرا في فحص المعلومات العلمية في ما يتعلق بنظرية التطور ونظرية الانفجار الكبير والنظرية النسبية ونظرية الكم وغيرها من النظريات، حتى وقعت يدي في إحدى المرات على مقطع يوتيوب لعالم فيزيائي فلكي جزائري اسمه نضال قسوم ومنذ حوالي عامين وأنا أتابع حلقاته “تأمل معي”.. لقد أدركت منذ الوهلة الأولى أن الرجل يمتلك عقلا علميا مرتبا ويستخدم منهجا علميا دقيقا في نقل معلوماته ففرحت كثيرا وقلت: وجدتها وجدتها..
تابعت أكثر من 100 حلقة له وكل يوم يؤكد لي أنه فعلا باحث دقيق، ولأني لست متخصصا في مجال العلوم الطبيعية وفي نفس الوقت أحتاج معلوماتها استندت إلى عقل علمي يكفيني مؤنة البحث في الاطروحات العامة لا التفاصيل الدقيقة.. لأن ذلك سيختصر علي كثيرا من الزمن..
لدينا طريقتان لبحث أي معلومة أو خبر أولها المصدر ما مدى درجة وثوقيته، والثاني المحتوى ما مدى اتساقه وعدم تناقضه؟ نستخدم هاتين الطريقتين على مستوى المعلومات الصغيرة اليومية، وعلى مستوى المعلومات والنظريات العلمية الكبيرة، ومن أراد المزيد حول التعامل مع الثانية فليرجع لإحدى حلقات المفكر الجزائري نضال قسوم وهي الحلقة رقم (85) بعنوان: كيف تقيم مصداقية معلومات ما. وهي من أهم الحلقات التي نشرت في سلسلة “تأمل معي” وهي فرصة أدعوكم لمشاهدة هذه السلسلة القيمة التي تحدثت عنها قبل أكثر من عام ولاقت صدى لا بأس به.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.