كتابات خاصة

التقويم الشمسي والعام الجديد

عبدالله القيسي

ما نراه اليوم من إقرار للتقويم الشمسي الميلادي لم يكن كذلك قبل قرون فقد خضع لعملية تعديل باستمرار، كل ذلك من أجل حل إشكالية الكسور في عدد أيام دورة الأرض حول الشمس.

يظن بعض المسلمين أن التقويم الشمسي خاص بالمسيحيين، كما أن التقويم القمري خاص بالمسلمين، وهذه فكرة خاطئة لا تفرق بين أمرين، الأول أن الحساب بالشمس عام لكل البشرية، فحين تكمل الأرض دورة كاملة حول الشمس فإن ذلك لا يخص ثقافة بعينها، والثاني وهو ما يمكن أن يرونه ضمن الهوية هي تحديد العام، فالرومان ومن بعدهم الكنيسة اختاروا سنة ميلاد المسيح على اختلاف بينهم في تحديد تاريخ ولادته يصل بها البعض إلى قبل ذلك التاريخ بسنوات.
إذن نحن أمام مسألتين واحدة فلكية خالصة والثانية تنتمي إلى ثقافة وبيئة بعينها، هذا التفريق يساعد في تخفيف الحساسية تجاه التقويم الشمسي الذي يفترض أن يكون لدى المسلمين مثله لأسباب عدة منها:
أولا: لا توجد سنة قمرية تحدد بحدث فلكي، فلا يوجد حدث فلكي يخص القمر بحيث ينتهي به العام وإنما يوجد شهر قمري فقط، فيه حدث فلكي معروف هو إكمال دورة القمر حول الأرض في 29.5 يوما، أما السنة القمرية فهي اجتهاد انتهاء اثني عشر شهرا فقط، في المقابل لا يوجد شهر شمسي يحدد بحدث فلكي، وإنما هو اجتهاد في تقسيم السنة الشمسية إلى 12 قسم كان يمكن أن تقسم بطريقة أخرى تجعل شهر فبراير مقاربا لغيره من الشهور، ولكن هناك سنة شمسية فلكية تحسب بعد إكمال دورة كاملة للأرض حول الشمس.
ثانيا: يظن بعض المسلمين أن التقويم القمري مرتبط بالشعائر التعبدية وحده، لذا كان إسلاميا من هذا المنطلق، فنحن نحدد بداية دخول رمضان وانتهاءه بالقمر، ونحدد بداية شهر الحج من خلاله، ولكنهم ينسون أيضا أن حساب الشمس مرتبط بالشعائر التعبدية أيضا، فالصلوات الخمس كلها مرتبطة بحساب الشمس، فصلاة الفجر حين يبزغ ضوء الشمس قبل شروقها، أي بمقدار 17-19 بوصة قبل الشروق كما حدد الفلكيون، وإن كان 17 بوصة أكثر دقة وهو ما اعتمده الحساب الفلكي لمجمع الفقه الإسلامي بأمريكا الشمالية، وصلاة الظهر حين تدلك الشمس من وسط السماء قليلا، وصلاة العصر حين يكون ظل الشيء مثله، وصلاة المغرب بعد غروب الشمس، وصلاة العشاء بعد ذهاب الشفق الأحمر أي بقايا ضوء الشمس. أما ارتباطه بالصيام فتحديد بداية يوم الصوم أي الفجر وانتهائه إي المغرب يعود لحساب الشمس أيضا. وكذلك التنقل بين أركان الحج من الوقوف بعرفة في وقت معين والمبيت بمزدلفة ووقت الطواف والرمي وغيره.
وأيضا هناك ارتباط آخر لحساب الشمس مع مواسم الزراعة والفصول الأربعة وهذا شيء يخص كل إنسان.
إذن نحن بحاجة لحساب الشمس والقمر وليس لحساب القمر فقط، ومن هنا حثت الآية على استخدامهما في الحساب، يقول تعالى: “هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ”(يونس:5).
لكن كيف سيكون حساب الشمس والقمر؟
أمامنا طريقتان أولاهما سهلة والثانية فيها بعض التعقيد.
أما الأولى: فهي لأولئك الذين لا يعتمدون التقويم الميلادي ويحصل لهم إشكالات كثيرة حين لا يتوافقون مع العالم من حولهم، وهؤلاء يمكنهم أن يعتمدوا المسلمون شمسيا مرتبطا بهجرة الرسول عليه السلام فيكون الاختلاف في تحديد العام فقط أما اليوم والشهر فبينهما توافق. وهناك بحسب معرفتي تقويم بذلك ينسب لعمر الخيام واعتمده إيران، ولكنه يعتمد بداية الشهر مع بداية انقلاب البرج أي في يوم 21 من الشهر، فاليوم بحسب ذلك التاريخ هو 13 من شهر الجدي للعام 1397 من الهجرة. أي أن الأرض دارت حول الشمس 1397 دورة منذ الهجرة النبوية لليوم.
أما الطريقة الثانيه: فهي طريقة تجمع بين الحساب القمري والشمسي في تقويم واحد، بحيث يعتمد الشهر القمري والسنة الشمسية، ثم يضاف شهرا كبيسا كل 32 شهرا، بحيث تنتهي الكسور كل 19 عاما. وهذا الحساب يعتقد أنه كان السائد عند الرومان قديما ثم في زمن النبي عليه السلام وهناك دلائل وقرائن كثيرة لا يكفي الوقت لذكرها تؤكد ذلك، وهذا التقويم إذا اعتمده المسلمون سيحل تلك الإشكالية التي تحدث حين يأتي شهر رمضان في مناطق يكون فيها النهار 21 ساعة وفي أخرى 3 ساعات، وهذه المناطق صار بها مسلمون وصار الصوم فيها بمشقة عالية، وهذا التقويم في حال اعتماده سيجعل شهر رمضان هو الشهر التاسع أي حين يتساوى فيه الليل مع النهار في كل الكرة الأرضية فلا يشتكي أحد من طول نهار رمضان أو قصره.
ما نراه اليوم من إقرار للتقويم الشمسي الميلادي لم يكن كذلك قبل قرون فقد خضع لعملية تعديل باستمرار، كل ذلك من أجل حل إشكالية الكسور في عدد أيام دورة الأرض حول الشمس والتي هي تقريبا 365.25 لذلك عملوا سنة كبيسة كل أربع سنوات بإضافة يوم لشهر فبراير فيكون 29 يوما، ولكن ذلك لم يحل المشكلة تماما لأن الكسور ليست ربع يوم تماما وإنما هي أقل من ذلك، ولذلك يضطرون كل عدة قرون أن ينقصوا عدة أيام ليتوافق مع الحساب الدقيق ويلغي الكسور.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى