سال لعاب الأطماع باليمن، وتطاولت دويلات كانت يوماً مجرد ساحل من سواحل هذا البلد العظيم بتاريخه وهويته، من ممالك ودول قديمة كسباء وحمير ومعين وحضرموت ومارب وضفار.
هل تدرك السلطة والمعارضة، كانت شرعية وتحالف، انقلابيون، انتقالي وحراك، أحزاب سياسية ومكونات اجتماعية ونقابية ومنظمات المجتمع المدني.
إنها وجدت أصلاً لتصلح الحياة العامة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لتلبي طموحات وآمال وتطلعات الناس؛ الناس هم المجتمع بكل أطيافه وكتله التي تشكل بألوانها فسيفساء هذا المجتمع التي تثري الحياة، دونها لن ترى سوى القبح بكل اشكاله، قبح الفكر الواحد والتعصب والتمايز الطائفي والمناطقي السلالي والعرقي.
إن الإدراك يستدعي وعي يؤمن به وثقافة تحمله وسلوك يحوله من حلم لحقيقة ومن أمل لواقع ومن تطلعات لممارسات، ما لم سيبقى هذا المشروع مجرد وهم يتصارع حوله الواهمون بغبائهم وتخلفهم وعصبيتهم، ويدمرون وطنهم.
كل هذا الخذلان منذ الاستقلال والتحرر في الجنوب والشمال، يبرهن أننا لا نزال نعيش الوهم، نعيش حلم جميل، لكننا عاجزون على تحقيقه، نحاول وكلها محاولات فاشلها، والفشل هو أن تعي أنك تحلم ولكنك تجري بغير إرادتك، وتكتفي باليقين بأنك في حلم لكن لا تستطيع أن تغير المجريات والبيئة حسبما تريد، يعتريك الخوف والوجس، لتتحول لضحية أوهام وجدت لتعزز عجزك عن تحقيق حلمك.
الوعي يعزز الانتباه وينزع الخوف والريبة من النفس الضعيفة، يمدها بالقوة الدافعة لتحقيق الحلم، مما يجعلها عصية على الشحن والتغرير، لا تقبل بذور العصبية والأيدلوجيا المدمرة للتنوع، تمضي بقوة نحو تحقيق حلمك.
هذا الوعي بحاجة لطليعة في المجتمع تصنعه وتنهض به، وهي النخب اليوم في خطابها وإنتاجها الفكري والثقافي والفني، كل هذا يشكل وعي المجتمع ويصوغ أفكاره، نخب هي المعوّل عليها دائما في النهوض وإحداث التغيير.
ما نحن فيه اليوم هي أزمة وعي، خلقت حالة من التأزم العام، وبلد كاليمن صار عرضة للنهش والتزوير في تاريخه وهويته في وحدته ومصيره، من المسؤول اليوم عن ما يحدث من تخلي البعض عن هويته اليمنية ليبحث له عن هوية في شتات الماضي واطلاله وبقايا عفنه؟ من المسؤول عن عودة مشاريع استعمارية كانت أو استبدادية متخلفة أرستقراطية واقطاعية عفى عليها الزمن واعتقدنا أننا تخلصنا منها منذ أكثر من نصف قرن؟
أليس فقدان الوعي ونخبة الثقافية والفكرية، هي التي تركت المجال للقوى التقليدية المتخلفة لتتربع عرش النخب السياسية، مما سهل لتلك المشاريع أن تتغلل من خلالها لتتربع راس السلطة، وتفتح ثغرات منها لتتسلل تلك الأفكار المدمرة بمشاريعها، المؤسف أن يتبناها اليوم بعض نخب المجتمع المعول عليهم بالتغيير والتحول الموعود لمستقبل منشود، كصحف وصحفيين ومثقفين وأدباء، اليوم يؤسسون كياناتهم لدعم تلك المشاريع.
فسال لعاب الأطماع باليمن، وتطاولت دويلات كانت يوماً مجرد ساحل من سواحل هذا البلد العظيم بتاريخه وهويته، من ممالك ودول قديمة كسباء وحمير ومعين وحضرموت ومارب وضفار، وعلى مرأى ومسمع العالم يعرض هؤلاء الصغار جنسيتهم حديثة العهد على اليمنيين بصورة مستفزة لليمن من على شاشات التلفاز.
يكفي أن يكون الرد بهذا البيت: أنا يمني.. واسألوا التاريخ عني؛ هذا التاريخ القديم والحديث الذي يقول إنكم مجرد جزءاً صغيراً من اليمن، فيه قبل نصف قرن فقط، أرسلت بريطانيا كتيبة من جيش الليوي بقيادة ابن اليمن حيدرة امسعيدي ليحمي مصالحها، وجمع قبائل البدو الرحل في تلك الصحراء لتتشكل منها دولة. اليوم تتطاول على بلده، وفي المتحف التاريخي لهذه الدويلات أول زعيمة ترسى على سواحلها لتفرغ بضائعها صنعت في عدن اليمن، ألا يكفي هذا ليعرف المتطاولون أن اليمن أصل العروبة، ويعرفون حجمهم الحقيقي ويحترمون اليمن أرضاً وانساناً، ويفتخرون لانتسابهم لليمن وكفى..
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.