(تحقيق حصري).. كيف يسرق الحوثيون الطعام من أفواه الجياع في اليمن؟
يعرف سكان العاصمة صنعاء أن عمليات بيع مواد الإغاثة التابعة للمنظمة العالمية أصبح مألوفاً في جميع الأسواق. يمن مونيتور/ وحدة التحقيقات/ خاص
انتظر برنامج الغذاء العالمي ثلاثة أعوام للكشف عن سرقة الإغاثة في اليمن في مناطق سيطرة الحوثيين وبيعها في الأسواق السوداء، لكن تحويل طعام الجوعى للأسواق وإلى الخطوط الأمامية لجبهات القتال لم تكن سابقة للجماعة التي فوجئت ببيان المنظمة الدولية.
يعرف سكان العاصمة صنعاء أن عمليات بيع مواد الإغاثة التابعة للمنظمة العالمية أصبح مألوفاً في جميع الأسواق يشمل ذلك محلات التجزئة والجملة.
في سوق الحصبة حيث يتواجد تُجار جملة وتجزئة للمواد الغذائية سأل “يمن مونيتور” ثلاثة من محلات الجُملة إن كانت تملك أكياساً من القمح أو الدقيق، فأجبوا جميعهم إنهم يملكون في مخازنهم “قمح ودقيق تجاري وأخر منظمات”، يُقصد بـ”دقيق المنظَّمات”، أكياس القمح أو الدقيق المُقدم من برنامج الغذاء العالمي. في المخازن توجد المئات من أكياس الدقيق التابع لبرنامج الغذائي العالمي.
في أكثر من عشرة محلات تجزئة ومحلات البقالة وصل لها “يمن مونيتور” يومي الاثنين والثلاثاء، يوجد دقيق “برنامج الغذاء العالمي” ومساعدات أخرى من “سلطنة عُمان” وأكياس أخرى لمنظمات تحمل شعارات مختلفة للأمم المتحدة، تباع جميعها في تلك المحلات.
في حي الدائرى الغربي تحدث مالك بقالة لـ”يمن مونيتور” بالقول: إن قادة الجماعة يبيعونها لمحلات البقالة بأسعار أقل من التجاري المعروف، ويتفاوت السعر حسب النوع والكمية، مقطورات كبيرة يتم بيعها لتجار الجملة وسيارات شحن أصغر لمحلات البقالة.
أكثر من النصف لقيادات الحوثيين
ولفت مالك البقالة إلى أن هناك إقبال على شرائها من الفقراء، وحتى المصابين بالسكر والضغط حيث أن قمح الأمم المتحدة جيد.
وقال ثلاثة من مسؤولي الإغاثة في صنعاء أحدهم يرأس منظمة عاملة بالفعل في مناطق سيطرة الحوثيين والاثنان الأخران يعملان ضمن منظمتين مختلفتين لـ”يمن مونيتور” إن جماعة الحوثي قامت بتأسيس مكتب من أجل الإغاثة والنازحين في صنعاء وفي كل محافظة على حِده.
وقال رئيس المنظمة ” في حال رفضنا أن يقوم الحوثيون بتوزيع السلال الغذائية، فهم يفرضون علينا أخذ الأسماء والمحتاجين من هذا المكتب الجديد، ومن أصل 1000 سلة غذائية يتم توزيعها يقوم الحوثيون بوضع أسماء 550 سلة غذائية بأسماء الموالين لهم”.
وقال الموظفان الآخران “في حال سلمنا مواد الإغاثة للحوثيين من أجل توزيعها عبر وزارة التربية والتعليم أو عبر مؤسسات الدولة اكتشفنا أن أقل من 10% يتم توزيعها”.
ولفت مسؤول في وزارة التربية والتعليم التابعة للحوثيين على إطلاع بملف الإغاثة الدولية لـ”يمن مونيتور” إلى أن آلاف السلال الغذائية تذهب لإطعام مقاتلي الجماعة في جبهات القتال أو بيعها في الأسواق.
يمني يحصل على معونة من برنامج الأغذية العالمي- يمن مونيتور
وقال ثلاثة من تُجار الجملة في ثلاثة أسواق مختلفة في صنعاء ويبيعون “إغاثة الأمم المتحدة” إن قادة الجماعة يمرون على التجار لإبلاغهم بوجود شحنات جديدة من برنامج الغذاء العالمي ليتم بيعها، “نحن نشتري لنكسب هكذا هي التجارة، وطالما أنها مرغوبة ولها سوق ومستهلكين سنشتري فالقدرة الشرائية لليمنيين ضعيفة”.
واتفق مسؤولو الإغاثة والتُجار ومسؤولون يعملون في حكومة الحوثيين أن الأمر لا يتعلق ببرنامج الغذاء العالمي وحدها بل بـ”عملية منظمة تديرها جماعة الحوثي تستهدف كل المنظَّمات كانت صغيرة أو كبيرة، مئات الملايين من الدولارات سنوياً”.
وقالوا إن الجماعة لا تبيع المواد الغذائية بل أيضاً: المستلزمات المدرسية والأوراق والمواد الصحية والأدوية والملابس والحقائب وكل ما يصل للبلاد يتم بيعه في الأسواق.
وفي تساؤل أنه وفي حال قامت المنظَّمات بإحصاء أعداد السكان والمحتاجين بنفسها.
قال رئيس المنظمة: هناك جواسيس في كل مكان في الأحياء والمخيمات وأوساط النازحين، يقوم المتطوعون بحصر الأسماء والقوائم عبر عُقال الحارات المعينين من الحوثيين وفي حال كان خارج دائرة هؤلاء المسؤولين المحليين يتم اعتقال المتطوعين لأسابيع ويخرجون بعد دفع الكثير من الرشاوى.
وقال مسؤول إغاثة آخر: لا حل لنا إلا التعاون بهذه الطريقة أو نوقف الإغاثة تماماً وسيتضرر من يحصلون عليها وإن كانوا فقط أقل من نصف العدد المستهدف.
معونات يتم بيعها قرب مقر لمنظة إغاثة دولية – ارشيفية (يمن مونيتور)
كيف يعبث الحوثيون بالبيانات؟!
وقال مسؤول في منظمة دولية للإغاثة تعتمد على وزارة التعليم التابعة للحوثيين لتوزيع الإغاثة لـ”يمن مونيتور”: بالنسبة للسجلات فهي صحيحة هناك أسماء وأرقام بطائق وبصمات وتوقيعات لمن تصلهم الإغاثة، لكن بالإمكان تزوير كل تلك البصمات والتوقيعات، وهذا ما حدث مع برنامج الغذاء العالمي وجميع المنظَّمات.
وأضاف: في الحقيقة لقد تعرضنا لعملية نصب واحتيال لم يكن أحد يتوقع حجمها إنها كبيرة جداً. كنا نتوقع حدوث خروقات وتسجيل أسماء مزيفة وأخرى يتم الاستلام عنها لكن ليس بقدر هذه الفاجعة. أكثر من 60% لا تصل إلى مستحقيها.
وقال المسؤول في وزارة التربية والتعليم “منذ عام ونيف وبرنامج الغذاء العالمي يقوم بتوزيع سلال غذائية للمعلمين والموظفين الحكوميين، لكن قليل منها يصل إليهم والبقية للمقاتلين الحوثيين أو إلى سوق الإغاثة، لاحظ كيف تحول قادة للحوثيين من مُعدمين إلى أثرياء يمتلكون الأموال والسيارات والمنازل الواسعة.
ويرأس وزارة التربية والتعليم يحيى الحوثي، شقيق زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي.
وكانت المؤسسات الحكومية الأكثر وضوحاً وقدرة على الوصول إلى فساد الحوثيين وبيعهم لمواد الإغاثة.
وقال مسؤول في برنامج الغذاء العالمي في صنعاء لـ”يمن مونيتور” يوم الثلاثاء، إن “هناك جهة -رفض الكشف عنها- تقوم بالاستلام شهرياً عن الموظفين وبأسمائهم كحالة شهرية طوال العام وأن المسألة لا تقتصر على جهة واحدة فقط بل الأمر تعدى ذلك ليشمل مؤسسات ووزارات الدولة”.
وأشار المسؤول إلى أنه تواصل مع عشرات المفترض أنهم يستفيدون من “إغاثة البرنامج” لكن لم يصلهم شيء.
وتمكن “يمن مونيتور” من الحصول على كشوفات الاستلام بأسماء الموظفين الحكوميين وبصماتهم عليها، لكنها في الحقيقة ليست ملكهم بل إنها “بصمات مزورة” فلم يصل شيء لهؤلاء الموظفين.
“يمن مونيتور” يحصل على كشوفات سلمتها جماعة #الحوثي لمنظمات #إغاثة تحمل اسماء موظفين حكوميين ببصمات مزورة بعد سرقة سلال غذائية#اليمن pic.twitter.com/C5pFFDSaqS
— يمن مونيتور (@YeMonitor) ٣ يناير ٢٠١٩
الكشوفات
لم يكن أحد من الموظفين قبل عامين يملك أدنى فكرة أن الجماعة ستقوم بأخذ السلال الغذائية بهذه الطريقة بأسمائهم، وسُلمت معظم بيانات الموظفين والكشوفات في معظم الهيئات إلى المسؤولين الحوثيين لتسليمها لـ”برنامج الغذاء العالمي” ومنظمات أخرى. بعد عامين اكتشفوا الفاجعة باتصال هاتفي من برنامج الغذاء العالمي يستفسر عن وصول “سلة غذاء نوفمبر/تشرين الثاني الماضي”.
وقال مسؤول حكومي بارز في وزارة التجارة ومسؤول أخر في وزارة الإدارة المحلية لـ”يمن مونيتور”: تلقينا الاتصالات وعدد من الزملاء لم نتسلم شيء قام الحوثيون ببيع كل تلك السلال الغذائية لجيبوهم الخاصة. لقد سلمنا صوراً من البطائق الشخصية قبل عامين من أجل الحصول على المعونة لكنها لم تأتِ.
وقال ناصر وهو موظف في الشؤون المالية لإحدى الوزارات الخاضعة لهيمنة الحوثيين، طلب الكشف عن اسمه الأول فقط: العملية مدروسة ومنظمة يدخل فيها نظام كبير، طلب منا المسؤولين في وحدة النازحين بضرورة تسليم الكشوفات أسماء الموظفين إلكترونياً بنظام “الأكسل” مع إلحاح شديد منا وعدم اعتماد الأسماء ورقياً؛ ولم نكن نعلم انه سيتم استخدامها بغرض السرقة والنصب وما كان منا إلا تسليم الأسماء إلكترونياً.
وأضاف: وعندما أخبرناهم بأن تسليم هذه الكشوفات أمر غير قانوني أكدوا لنا ان تسليم الكشوفات بنظام “الأكسل” سيمكنهم من المراجعة والتدقيق وأن الكشوفات الورقية لا تكفي .. هذا حصل قبل عامين ونسينا الموضوع لعدم صرف أي سلال غذائية.. لنفاجئ بصدمة كبيرة وهي السرقة بأسماء الموظفين والكشوفات التي سحبت من الوزارات والمؤسسات والهيئات..
رؤوس كبيرة
وفي حيثيات الفضيحة المدوية في مكاتب الوزارات والمؤسسات انطلق عدد من موظفي الدولة إلى مقر برنامج الغذاء العالمي لمعرفة أسماء أو خيط يوصلهم بمن سرق بأسمائهم طيلة أكثر من عام كامل.
وقال عدد من الموظفين في تصريحات لـ”يمن مونيتور” مطالبين عدم الكشف عن هوياتهم: وجدنا أسماءنا فعلاً موجودة ويتم الصرف بأسمائنا بشكل شهري وهنا كانت الصدمة وحصلنا على الكشوفات الرسمية التي يتم الصرف بها من قبل البرنامج الذي اطلعنا عليها حيث يوجد أعلى الكشف الجمهورية اليمنية وزارة التربية والتعليم.. مشروع التغذية المدرسية والإغاثة الإنسانية، مشروع الإغاثة رقم 201058 – كشف توزيع المساعدات للأسر المستفيدة والمقدمة من برنامج الغذاء العالمي لشهر نوفمبر العام 2018م، ونص الكشف عن محتوى السلة الغذائية التي تشمل (كيس ونصف بر وعلبتا زيت و10 كيلو بقوليات و2.5 كيلو عدس و5 كيلو ملح). التوقيع بصمة واحدة لشخص واحد من أعلى الكشف إلى أدناه، وهذا ما أثار تعجبنا واستنكارنا في المنظمة.
وقالوا: عندما طلبنا منهم أسماء من قاموا باستلام المساعدات، حذرونا قائلين: الموضوع في رؤوس كبيرة من الهرم الكبير في الدولة انتبهوا على رؤوسكم ولا تدخلوا في مشاكل، في إشارة إلى قياديين في جماعة الحوثي.
مضيفين: تم التأكيد في برنامج الغذاء العالمي أنه يتم الاستغلال والسرقة باسم موظفي الدولة، والخيوط مترابطة بدء من أمانة العاصمة التي تحيل عملية التوزيع إلى وحدات التوزيع إلى وحدة النازحين في الأمانة أو إلى التغذية المدرسية وغيرها.
لكن لم يتم التأكد من بقية المنظَّمات.
ورفضت المصادر والمسؤولين الذين تحدثوا لـ”يمن مونيتور” الكشف عن هوياتهم خشية انتقام الحوثيين، أو تضرر عمل منظماتهم.
مواد غذائية مصدرها المعونات الدولية على أرصفة شوارع صنعاء – DW
ألف موظف
بينما يعيش أكثر من مليون موظف حكومي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، دون رواتب منذ توقف صرفها في سبتمبر/ أيلول 2016، وبحسب الأمم المتحدة يعيش اليمن أسوأ أزمة إنسانية في العالم، حيث يحتاج ثلاثة أرباع سكانه إلى مساعدات إنسانية وإغاثية عاجلة، يقول محمد عبدالمجيد، احد الموظفين المتضررين بعملية نهب المساعدات الغذائية في تصريح لـ”يمن مونيتور”: ما يحز في النفس ان تطلب منك وزارتك تسليم صور بطاقتك الشخصية وأرقام الهواتف وهي تبيت سرقتك وبزعم أنهم يسعون للحصول على مساعدات غذائية للموظفين، لكننا لم نحصل على شيء، وكان هناك من يتسلم هذه المساعدات شهريا ويوقع عليها بأسمائنا.
وأضاف قائلاً: تتحمل جميع قيادات جماعة الحوثي المسيطرة على الوزارات والمؤسسات كافة المسؤولية لأنهم كانوا سبباً في تسريب أسمائنا وتم الشحاذة ببطائقنا في المنظمات ونحن نعجز عن شراء كيس قمح واحد في ظل انقطاع المرتبات.
وقال: نحن الذين اكتشفنا أسمائنا قرابة الألف موظف وموظفة جميعنا تم النهب بأسمائنا وببطائقنا وأرقام هواتنا فقط البصمات ليست بصماتنا، وهذه الوزارات والمؤسسات ستدفع الثمن غالياً جراء اللعب بمعاناة الموظف الذي يعيش أوضاعاً إنسانية بالغة السوء بسبب انقطاع رواتبهم منذ أكثر من عامين.
ورفض اثنين من المسؤولين الحوثيين في المكتب السياسي التعليق على الأمر واكتفوا بالإشارة إلى بيان القيادي في الجماعة محمد علي الحوثي تعليقاً على اتهامات برنامج الغذاء العالمي.
وقال الحوثي: “فوجئنا” بالادعاءات الواردة من برنامج الغذاء العالمي، وقراره الذهاب إلى وسائل الإعلام كان “انحرافًا كبيرًا في عمل البرنامج”.
وهدد برنامج الأغذية العالمي يوم الاثنين بتعليق بعض شحنات المساعدات إلى اليمن إذا لم يقم الحوثيون بالتحقيق ووقف السرقة والاحتيال في توزيع المواد الغذائية خلال 10 أيام، محذرين من أن التعليق سيؤثر على نحو 3 ملايين شخص.
عملية تبديل أكياس الأمم المتحدة بمصانع محلية لبيعها في السوق-يمن مونيتور
يمن مونيتور في المقدمة
منذ عام 2016 تحدثت شبكة “يمن مونيتور” مراراً عن بيع الحوثيين للمساعدات الإنسانية في الأسوق السوداء، وعدا التي تحمل أكياس وشعارات الأمم المتحدة، كشف “يمن مونيتور” في فبراير/شباط 2017 عن نهب الحوثيين لمساعدات غذائية دولية وبيعها لكبار التجار بعد قيامهم بعملية تغيير الإطار الخارجي للمنتجات وتحويلها إلى سلع محلية الصنع وبيعها في أسواق صنعاء.
وقال المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته في تصريح لـ”يمن مونيتور”: تم اكتشاف كميات كبيرة من مادة القمح في مخازن التجار مقدمة من منظمات دولية كمساعدات غذائية خاصة بالنازحين في مصانع احد التجار المسيطرين على الأسواق المحلية، وعند سؤالنا عن سبب وجودها في المخازن التجارية الخاصة في خط الإنتاج أفاد العاملون السبب “تغييرها بعلامة تجارية محلية الصنع”.
مضيفاً: اكتشفنا اللعبة الدائرة بين التجار ومن يبيع لهم مساعدات الخاصة بالنازحين، حيث يلجأ التجار إلى استبدال أكياس المساعدات الغذائية المقدمة من المنظمات الدولية بأكياس شركة تتبع التجار منهم مصانع “م . أ. ” (يحتفظ يمن مونيتور باسم الشركة) ومن ثم بيعها في السوق المحلية على أنها صادرة من الشركات المحلية في العاصمة اليمنية صنعاء وهذا يعد سرقة لقوت النازحين ويعد حراماً ويجب محاسبة الحوثيين والتجار.
المزيد..
(حصري) “إغاثة دولية” ينخرها الفساد وتسحق المحتاجين في صنعاء
(حصري) بينها 6 آلاف كيس قمح.. الحوثيون يبيعون مساعدات النازحين للتجار