لعل أبرز حدث فني وثقافي يمني، هنا، في عام 2018 هو إنتاج فيلم “عشرة أيّام قبل الزفة” للمخرج الشاب عمرو جمال، والذي ذهب إلى قائمة ترشيح أوليّة لمسابقة الأوسكار. لكن الأهمّ من هذا الترشيح، هو فكرة إنتاج فيلم سينمائي في وسط هذه الظروف اليمنية الدموية شمالاً وجنوباً.
شعور من الدهشة والاستغراب قد ينتاب شخصاً يصله خبر إنتاج فيلم أو خروج أُغنية إلى النور من اليمن. ولهذا الشعور منطقيته؛ حيث البلاد تعيش حرباً وتلفّها مجاعة هي الأكثر مأساوية في زمننا الحاضر. فكيف استطاع شباب اليمن على وجه الخصوص صنع تلك الألحان والمشاركة في البرامج الغنائية العربية وإنتاج أفلام سينمائية وصلت للمراحل التمهيدية لمسابقة الأوسكار.
قد تنبغي، بداية، الإشارة إلى أن غالبية الإنجازات التي قدمها شباب اليمن “الحزين” في عام 2018 كانت بعيدة، إلى حدّ كبير، عن الدعم الرسمي، سواء من جانب حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، أو من جهة حكومة الأمر الواقع الحوثية (أنصار الله ). لقد اشتغل الشباب من تلقاء ذواتهم وبحثوا عن طرق مستقلة تساعدهم، بشكل ما، لإنتاج ما يسعون إلى اقتراحه وإظهاره إلى النور.
لعل أبرز حدث فني وثقافي يمني، هنا، في عام 2018 هو إنتاج فيلم “عشرة أيّام قبل الزفة” للمخرج الشاب عمرو جمال، والذي ذهب إلى قائمة ترشيح أوليّة لمسابقة الأوسكار. لكن الأهمّ من هذا الترشيح، هو فكرة إنتاج فيلم سينمائي في وسط هذه الظروف اليمنية الدموية شمالاً وجنوباً. والرهان على العمل وسط كل هذا مع حجم الأخطار المُحتملة من مجرّد تحرّك عدسة في شارع يمني؛ حيث جميع الأطراف اليمنية صارت على نحو واضح من أعداء الصورة والكاميرا.
لكن الفيلم مضى وعُرض حاصلاً على أعداد غير متوقعة من العروض في صالات عدن (جنوب اليمن) ومنها صالات لم تكن متهيئة من الأساس لتكون صالحة لعروض سينمائية، لكن تمّت إعادة تأهيلها لتستقبل أعداداً كبيرة من الناس على الرغم من ارتفاع كُلفة بطاقة الدخول، ألف ريال (نحو دولار وربع)؛ إذ إن الألف الريال في حد ذاتها تُعد كلفة كبيرة على المواطن اليمني.
وفي سياق هذا الرصد، يمكن الوقوف عند حالة المُشاركة اليمنية سُهى المصري في برنامج “ذا فويس” على قناة إم بي سي. وقد نجحت في الوصول إلى مراحل متأخرة من المسابقة، لكن تم إخرجها على نحو لم تكن سهى المصري نفسها تتوقعه. يمكن التعريج هنا عند أصوات إعلامية وسياسية كثيرة ندّدت بمسألة مشاركة صوت يمني في برنامج سعودي. قالوا إن هذا إنما يأتي متماشياً مع رغبة سعودية تسعى إلى نقل صورة مُغايرة لما تفعله من حرب على الأرض اليمنية؛ إنها لا تزال تستقبل كل المواهب اليمنية وترعاهم، تحاول تلميع صورتها عبرهم.
لكن تبقى النقطة الأُخرى في إشكالية يمنية حين تفرّقت الأصوات بين شمال وجنوب؛ إذ إن سُهى المصري محسوبة على المناطق الشمالية، ولذلك أعلن جنوبيون كُثر عدم رغبتهم منح أموالهم في التصويت لـ “كائن شمالي”، وفق ما وصفها بعضهم. لا تزال الحروب الماضية والحاضرة بين شمال اليمن وجنوبه تُبرز نتائجها وتُعلن عن نفسها صراحة على وسائل التواصل الاجتماعي.
ومن نقطة إنتاج الفنّان اليمني الشاب هشام توفيق لأغنية يمنية – يابانية في قالب واحد، يمكن الانطلاق نحو المبادرات الشخصية في هذا السياق. تبدو مؤسسة الـ “بيسمنت” في صنعاء مثالاً واضحاً في هذا الخصوص. هذه المؤسسة الفنية والثقافية التي لا تزال تفتح أبوابها، رغم المضايقات الحاصلة من جهة سلطة الأمر الواقع الحوثية الفارضة نفسها على المجال المدني اليمني في صنعاء. فهناك فعاليات فنّية ومعارض تشكيلية وثقافية أسبوعية وبرنامج مُعلن على نحو مُسبق بشكل منتظم واحترافي، وتُقام كل هذه الفعاليات وكأن لا حرب تجري في البلاد.
ويحدث كل هذا على نحو مبادرات، من دون أن يطلب أصحاب المكان مالاً مقابل العروض ولا أصحاب الأعمال يطلبون مالاً مقابل موادهم المعروضة أو مشاركاتهم.
والجدير ذكره أن مؤسسة “بيسمنت” قد نالت قبل أيّام منحة “المورد الثقافي” في مشروع “وصل” وهو العمل الهادف إلى “التشبيك بين المؤسسات الثقافية المستقلة في المنطقة العربية، وتعزيز ثقافة التعاون والتعلم المتبادل ما بينها”، وقد فازت المؤسسة اليمنية عبر مشروع “خط رجعة” المُقدّم من عبد العزيز مرفق من فريق “بيسمنت” وعائشة الجعيدي عن نادي تكوين الثقافي (حضرموت، اليمن) وهو مشروع تعاون حول تأثير الأزمات السياسية والنزاعات على الواقع الثقافي في اليمن، وتدريب على تصميم حملات مناصرة من قبل الفنانين والناشطين الثقافيّين بين مدينتي صنعاء والمكلا.
ويهدف المشروع إلى استعراض التجربة الخاصة للدولة اليمنية (بعد وحدة الشطرين الشمالي والجنوبي عام 1990 حتى الآن) ومراجعة أهم الأحداث التي أثرت على الثقافة والتي حوّلتها من المتن في الدولتين إلى حدث هامشي”.
مع ذلك، قد تنبغي الإشارة إلى فعل ثقافي وحيد أقامته وزارة الثقافة التابعة لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المُقيم في العاصمة السعودية الرياض وتمّثل في مهرجان مسرحي في مدينة عدن ضمّ 11 فرقة مسرحية من غالبية المدن اليمنية باستثناء العاصمة صنعاء. وهو أول مهرجان مسرحي يُقام في عدن منذ 11 سنة.
وفي الخاتمة، وفي سياق المسرح اليمني، لا يمكن نسيان واقعة مقتل الفنان جلال السعيدي. لقد قُتل السعيدي وهو في مدينة الضالع (الجنوبية) حين ذهب لأداء عرض مسرحي كوميدي بدعوة من الهلال الأحمر الإماراتي، لكن جماعة متطرفة لاحقته، بعد الانتهاء من العرض، وقتلته في أحد المنازل الذي راح لاجئاً إليه. لقد ذهب لبثّ الابتسامة في وجوه الناس؛ فقتلوه.
نقلا عن العربي الجديد