الواضح أن أجهزة الدولة الأمنية والمدنية في الحديدة تم الإجهاز عليهما خلال أربع سنوات من سيطرة الحوثيين على المدينة، ومن بقي من الموظفين “تحوثن”، ما يعني أن الحوثيين سيستمرون بوصايتهم على المدينة بأدواتهم، الموظفين على أقل تقدير.
اتفق وفد الحكومة ووفد الحوثيين على الانسحاب من الحديدة ومينائها وتسليم إدارتهما إلى الشرطة المحلية بإشراف مباشر من الأمم المتحدة.
هذا أهم اتفاق حدث في مملكة السويد، لكن ما هو أهم من الاتفاق هو السؤال الذي يبحث عن إجابة: مَن تكون تلك الشرطة المحلية التي ستتسلم الميناء والمدينة والسلك الإداري الذي سيدير واردات الميناء إلى البنك المركزي فرع المدينة؟
الواضح أن أجهزة الدولة الأمنية والمدنية في الحديدة تم الإجهاز عليهما خلال أربع سنوات من سيطرة الحوثيين على المدينة، ومن بقي من الموظفين “تحوثن”، ما يعني أن الحوثيين سيستمرون بوصايتهم على المدينة بأدواتهم، الموظفين على أقل تقدير.
هذه الصورة من التفاصيل لا يعني أن وفد الحكومة لم يدركها، فهذه تفاصيل هي في الغالب ما تقضي على الاتفاقيات، ولكن وفد الحكومة قبل بهذه الاتفاقية نتيجة لتطورات سياسية شهدتها المنطقة جعلت الوفد يقبل بصورة سريعة هذه الاتفاقية.
التطورات السياسية تتمثل بالضغوطات التي يتعرض لها التحالف من المجتمع الدولي نتيجة تداعيات قضية خاشقجي، والتي قلبت العلاقات الغربية رأساً على عقب، وجعلت الرئيس الأمريكي ترمب يقول: إنها أكبر قضية شائكة يشهدها منذ توليه منصب رئيس أمريكا.
الضغوطات جاءت على التحالف في إنهاء الأزمة نتيجة تعرض ترمب والحكومة البريطانية و”ماكرون” لضغوطات من القوى السياسية المعارضة في إنهاء الدعم العسكري للمملكة التي بدورها تقود حرباً في اليمن ضد الحوثيين.
في أمريكا تحولت اليمن، إلى أداة سياسية وانتخابية من الحزب الديموقراطي ضد ترمب، لأنه يبيع السلاح للمملكة التي تستخدمه في حرب اليمن، وفي بريطانيا وفرنسا تتعرضا إلى ضغط سياسي بنفس النسق، هذا الضغط تأثر طردياً على موقف التحالف ما جعله أمام خيار واحد وهو وقف الحرب.
ولأن وقف الحرب سريعاً مسألة معقدة، في ظل استمرار سيطرة الحوثيين على مناطق واسعة، فقد ذهبت الخطوات الأولى لوقف الحرب في الحديدة، وتدويل الميناء عبر إشراف الامم المتحدة.
هذا الاتفاق بنظر الإمارات يمكن أن ينهي الحرب في اليمن؛ فقد سبق وأن صرح وزير الدولة أنور قرقاش، أن تحرير الحديدة سيفضي لانتهاء الحرب، أما المملكة فلا يهمها كثيراً هذه المدينة والميناء بقدر ما يهمها بقاء الحوثيين ذراع إيراني يهدد حدودها وصواريخ باليستية تصل إلى أراضيها.
لكن ما هو واضح أن اتفاق الحديدة في حال افضى إلى التنفيذ، سيكون حقق هدفاً مرحلياً وهو إزاحة الضغوطات الأمريكية البريطانية عن التحالف، وبنفس الوقت وضع حد لابتزاز الحزب الديموقراطي لترمب في وجود كارثة إنسانية في اليمن.
في الجانب الآخر، ما دفع الحوثيون لانسحاب من الحديدة، هو كذلك نتيجة لعوامل سياسية خارجية، وتغيرات داخلية.
العوامل السياسية الخارجية، وهي بكون إيران تتعرض لعقوبات اقتصادية أمريكية قاسية جعلها تنشغل بمواجهة مفاعيل السخط الشعبي الداخلي والبحث عن طرق بديلة في تفادي تلك العقوبات، ما جعل حلفائها يتأثرون طردياً. التحالفات الدولية عبارة عن سلسلة حلقات من المصالح المشتركة وبانخراط إحداها يؤدي إلى إرباك عملي.
تفهم الحوثيون هذا المتغير الاقتصادي الدولي على إيران، فاندفعوا نحو اتفاق الحديدة. أما المتغير الداخلي فهو يتمثل بالضغط العسكري على المدينة ومعرفتهم -الحوثيون- يقيناً أن استمرار المعركة يعني طردهم من المدينة والميناء بالسلاح، فبادروا نحو الاتفاق، وهو أهم عامل جعلهم يتجهون للسويد والتركيز على الحديدة.
الخلاصة، اتفاق الحديدة، فرضته الضغوطات السياسية والاقتصادية الدولية على المملكة وإيران، وعوامل داخلية صنعتها المدفعية، لكن تبقى حلول مؤقته باستمرار تلك الضغوطات؛ فالحديدة هي حلقة من حلقات صراع صاخب بينهما في اليمن، بعد انتهائه في سوريا.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.