عندما يضيق الخناق بالناس وتسود امامهم الدنيا ويخيم الظلام حياتهم، لا مجال أمامهم غير أن تتفجر ثورة، للتنفس حرية وتفتح نافذة تضيء الحياة نور وأمل وتفاؤل لمستقبل منشود.
عندما يضيق الخناق بالناس وتسود امامهم الدنيا ويخيم الظلام حياتهم، لا مجال أمامهم غير أن تتفجر ثورة، للتنفس حرية وتفتح نافذة تضيء الحياة نور وأمل وتفاؤل لمستقبل منشود.
ونحن في هذا البلد كلما ثار الناس، يزداد بهم الخناق، ويغرقون في وحل ماضيهم الاسي، لأن الثورة هي وعي ينجز تحريراً، واستحالت انجاز التحرير على الأرض دون تحرير العقل والروح، دون الوعي لن تتحرر ذواتنا ولن نستطيع أن ننتج تحريراً بل تحريكاً للمستنقع يقذف إلى السطح بمزيد من الكسور والوحل والرداءة، ولن يؤدي ذلك التغيير سوى لأشكال أخرى من العنف والقمع والتسلط والهيمنة والتخلف والجهل والعبث.
هذا هو واقع اليوم، نلتمسه في عدن التي صارت اليوم غنيمة حرب وأرض للبيع سكني تجاري، هو نتاج لتلك الاستحالة، وعبث منظومة العصبية التي صارت لها مؤسسات ومكونات أفرزها ذلك المستنقع، مكونات طارئة ومثقلة بالأحقاد والضغائن والثارات، وتثقل كاهل الجيل الجديد بكل هذا العفن الذي تحمله، هكذا مكونات لا هي ثورية، ولا قادرة أن تنتج لنا تغييراً ايجابياً يذكر، والدليل واضح فيما تقدمه على الأرض، من وحل وكسور وشظايا الانفجارات التي تحدثها.
نبهنا لذلك منذ اللحظة الاولى، وكنا في مرمى الواهمين، كثيراً منهم اليوم يتنفسون ندماً وقهراً بمجرد لقاء عابر بهم، ويؤكدون حقيقة تنبؤاتنا، قاده وامراء لتلك المكونات الطارئة، ينتابهم قلق على مستقبل هذا البلد، والشعور بخطورة انتماء وعقيدة وانفلات مكوناتهم التي لا علاقة لها بما يعلن ظاهرا، بل بالباطن الخفي الذي يدركه المستبصر للحقائق، والمتابع الجيد للأحداث، والضمير الحي للقادة، كثيرة هي الإشاعات، وأكثر هي الحقائق، وما خفي كان أعظم، وما أمسّنا للعلم والثقافة والفكر ليحلل ويفكك تلك المعضلة لتتضح الصور ويبنى عليها المسار السليم للمستقبل الآمن.
التحدي يدفع للتهور الذي لا يريد أن يسمع الحقيقة، حتى لا تتحطم أوهامه على صخرة الواقع، تحدي غبي يلاحظ في المناكفة والإشاعات والتدليس والإتهام أو التكفير، واختلط الحابل بالنابل، اختلط التطرف والغلو السياسي بالديني، وتفسخ الكل أخلاقياً وقيمياً، وصار كلٌ يبرر للأخر، والضحية الدولة المنشودة حلم وتطلعات الناس.
لماذا ثرنا إذاً؟! أليس ضد نفوذ الفيد والسطو والاستبداد السياسي والديني كالاستغلال السيئ للدين في الحياة الدنيا لفرض الاستبداد كواقع والتمايز بين الناس بفرزهم مناطقياً وطائفياً بما يلبي قناعات فئة لقهر فئات من البشر، إنها قيم ثورتنا المباركة التي لم نطلها لأننا غارقون في وحل ذلك الماضي، منه نستشف اختياراتنا ومواقفنا، ومنه نصب غضبنا على الحاضر لنعيق المستقبل، ونُصرّ على تصفية الآخر واجتثاثه، وتشكيل واقع بمكوناته الطارئة يفرض نفسه على الناس بالعنف الثوري.
الناس تنتظر شيئاً جديداً، وعي وثقافة وفكر راقٍ يعطيها أملاً وتفاؤلاً، شيئ يمكن الرهان عليه في تغيير حقيقي لواقعهم وحياتهم، لحاضرهم ومستقبلهم، شيئ يتواكب مع وعي الناس وتطلعاتهم، هذا الوعي والتطلع يلفظ اليوم هكذا مكونات ويعزلها شعبياً، فلا يبقى حولها غير الواهمين، والذين هم أجبن من أنْ يوجهوا حقائق اليوم، ويقبلون قيم ومبادئ تلك الحقائق، في الشراكة والتعايش وقبول الآخر والديمقراطية كواقع والحرية، والحوار مع الآخر لتقارب الرؤى والأفكار، وتحييد الثقافة ومنظمات المجتمع المدني والاتحادات وجعلها بعيداً عن التحدي السياسي المتطرف والغلو في المشاريع، بمساحة حوار كافية وانفتاح مع الآخر المختلف.
إنها مؤسسة العصبية والغباء، تنتج المشكلات وتعقدها، حاضنة للعفن تنتج لنا طفيليات وفيروسات لمزيد من الصراع والتفكك والتفسخ القيمي والأخلاقي، بل والسياسي؛ تنتج لنا مكونات مناطقية بحثة تخرج من رحم العصبية المقيتة.
الشعور بخيبة أمل؛ بلسعات العصبية التي سادت بين أدباء ومثقفين، عصبية شرخت النسيج الوطني، واليوم تخدش المشهد الثقافي، بل تسلخ اتحاد الادباء والكتاب من حاضنته الثقافية والفكرية وهويته، بلعبة التحدي التي مارسها البعض بوعي أو بدون وعي، تحدي دون تقييم ونقد علمي للتجربة، وتحديد جذورها وتحليل أسبابها لوضع الحلول والمخارج العلمية وفق النتائج والدراسات، بل شطط وتهور لن ينتج حلاً، وإنما مزيد من المشكلات والمعضلات والتفكك الكلي والجزئي للمجتمع.
هناك من يعي خطورة ما يحدث، وما تفرزه مؤسسة العصبية من سموم فيروسات تتطفل على هذا المشهد، ظاهرها الحرية والاستقلال، وبعدها الباطني العصبية الضيقة العمياء، تصدي بالكلمة والموقف والرأي السديد ومحاربة العنف بكل أشكاله، والتطرف والغلو بكل أساليبه، والله معهم في حماية الأرض والإنسان من عبث النفوس المصابة بماضينا الآسي.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.