ثمَّة انفراجة ما
لا بدّ أن تحدث
كي تهطل منها الرَّحمة
على الأرض. اشْعل سيجارتي بعود ثقابكَ الأخير
اللَّيل طويل أمامنا، وليست لدينا أغصان جافّة كي نشعلها ونتدفّأ حولها، وتعالى نحكي عن أيِّ شيء، احكِ لي عن ميْتات بقيت في ذهنكَ مثل مخلَّفات حرب، وسأحكي لك عن النِّساء اللواتي صنعنني، احكِ لي عن لحظات بكائك وأنت تضع رأسك على مخدَّة نومكَ، وسأحكي لك عن جدِّي الذي دلَّني إلى المخْبَأ،
احك لي عن أمِّك التي ماتت وأنت بعيد، وسأحكي لك عن أمِّي التي ماتت هي الأخرى وأنا بعيد
كلانا يملك الكثير من السَّجائر
وكلانا
لا يملك الآن أيَّة أعواد ثقاب
فعماذا سنحكي؟
* * *
بحقيبة على الظَّهر
ومعطف وحيد
ينسى مسافر صورته المنعكسة
على زجاج مطار مدينة ما
كأنَّه
لم يعبر هنا
أبدا.
* * *
لسانُكِ
حين أتمكَّن منه
بين شفتيَّ
اللغة
وهْي تعود
إلى مهدها الدَّافئ
بحركة واحدة
تُباد ممالك
وبأنَّة خرساء
تُمحى أبراج بابل
والعين ملعونة
إذ تُفتح خلسةً
فترى الأبجديَّات
كالخيول
تعدو هاربة
من أسوار المعاجم.
* * *
حين أينعت النَّبتة بُرعمًا في السَّاق
أكلته الدُّودة
وحين انتفخت الدُّودة
أكلها العُنكبوت
وحين انتهى العُنكبوت من بناء بيته
دخلت الخادمة
وأزالت الخيوط الحريريَّة
بضربة منفضة
في الصَّباح
أينعت النَّبتة بُرعمًا جديدًا
كانت دودة أخرى
تصعد السَّاق ببطء
والخادمة تستيقظ للتوِّ من نومها
فيما العُنكبوت
في مخبئه
ينتظر.
* * *
بأقلِّ قدْر من الحروف
بانعدامها أصلًا
تقول الصَّرخة
كلّ شيء.
* * *
أستطيعُ أن أتفهَّم تردُّد المُشرَّد
وأنتَ تمُدَّ إليه يدك
بصَدَقة
الرّعشة التي تضرب أصابعه
وهْي تتحرَّك في الفراع الرَّهيف
بينه
وبينك
نظرة عينيه المُنكَّستين
وهْو يتحسَّس ملمس الورقة النَّقديَّة
التي صارت بكاملها
بين أصابعه
أستطيع حتّى
أن أتفهَّم الموقف
لو أنَّه
لم يتناولها من يدك
وأنَّ عينيه
بدلًا من الانكسار في الأرض
صارتا مُحدِّقتين في وجهك
كما لو كان
سيصفعك
الشَّعرة الفارقة تكمن هناك
في حركة أصابعك
وهْي تُفلت الورقة
ثمَّة انفراجة ما
لا بدّ أن تحدث
كي تهطل منها الرَّحمة
على الأرض.
* * *
الرِّيق
كيف نفْصله
ونقول: هذا لكِ..
وهذا لي؟
نقلا عن منبر عربي ثقافي (ضفة ثالثة)