مع أننا نعيش قصصًا مروعة لا نستطيع حجب الخوف من تفاصيل الآخرين التي تبدو أكثر ترويعًا من واقعنا الذي نعيش.
الحرب بيئة خصبة لانتشار الأكاذيب، وعند احتدام المعارك يكون الوقت مناسبًا للترويج للأضاليل والقصص الغريبة المروعة.
مع أننا نعيش قصصًا مروعة لا نستطيع حجب الخوف من تفاصيل الآخرين التي تبدو أكثر ترويعًا من واقعنا الذي نعيش.
يختلط الكذب بالصدق، الشائعات بالحقائق، ولا نستطيع التأكد من القصص الهائلة التي تتوالى هذه الأيام.
أسمعهم يتناقشون في المجلس حول قصة وصلت عبر الواتس، تتحدث عن قيام رجل في ذمار بطباخة طفل رضيع.. قصة أخرى عن امرأة في صنعاء، فقأت عيني طفلها للحفاظ على زوجها طبقًا لنصيحة أحد المشعوذين، هل يمكن أن يحدث ذلك؟ أم أنه الخيال الذي حرّكته الحرب؟ في كلا الحالتين يتضح أن الطفولة ضحية الحرب، خيالًا أم واقعًا.
هذا التحاور حول تفاصيل يقسم البعض أنها غير معقولة، يأتي ونحن نعيش تفاصيل مأساوية لطفلة من المنطقة المجاورة لنا. الطفلة في الحادية عشرة من عمرها، تنقل نسوة القرية روايات ما قبل موتها المروع، كانت يدها منقشة وقد غادرت حفلة “عقيقة” بعد العصر، ثم ذهبت لجلب المياه من مشروع ريفي بدائي وبعيد، كان الحبل يتدلى من ربقة الحمار فعقدته الطفلة على يدها وصعدت على ظهره، وانطلقت.. سقطت من فوق الحمار ولم تملك القوة لتوقفه، كان يجرجرها بعده بقسوة، وجسدها الغض تتلاقفها أحجار الطريق الوعرة، لم ينتبه أحد لتأخرها، وعندما افتقدوها وبحثوا عنها وجدوها في غيبوبة، لم تعش كثيرًا في المستشفى. لقد ماتت في الصباح.
هذه المأساة حدثت هذا الأسبوع. من يتحمل ذنب إزهاق روح الطفلة البريئة؟
الجانب المدني والحقوقي سيعاتبون الأسرة، أعرف ذلك. لكنهم لا يدركون أن أطفال الريف يتسابقون لجلب المياه لأسرهم. وعن إمكانية وجود مذنبين آخرين غير الحمار، لا بد من توضيح التالي: كان هناك مشروع مياه من المجلس المحلي، قبل أكثر من عشر سنوات والبئر محفورة والخزان الرئيس تم بناؤه والمضخة على البئر، لم ينقص المشروع إلا الشبكة. المشروع على بساطته لم يكتمل، وكلما تحرك الناس اصطدموا بعراقيل مثل الخلاف بين بعض الشخصيات، عدم التجاوب من الجانب الرسمي، جمود الناس، وكلما جاء فاعل خير ليتبنى مشروع مياه للمنطقة اصطدم بالمنع من بعض الشخصيات أيضًا.
تراخي الدولة وغيابها يكاثر الضحايا بصورة أو بأخرى.
هذا الثمن يتبين أيضًا من الحادثة التي أسقطت طفلة في تعز، تساهل الأجهزة الأمنية جعل أطرافًا من يوصفون بـ”المفصعين” بالاشتباك داخل المدينة، كانت الطفلة عائدة من المدرسة، عندما نزلت من الباص أصابتها رصاصة وتضرجت بالدم، يقشعر البدن من بكائها وهي تستفسر فزعة وتطلب من المصورين: لا تصوروني.. ليش تصوروني بيني رصاصة؟
لا نحتاج إلى أكاذيب مروعة، إذا ما اعتبرنا تفاصيل طفل ذمار المطبوخ أو طفل صنعاء مفقوء العينين غير صحيحة، في الحرب الأطفال ضحايا في الشائعات كما هم ضحايا في الواقع، تأمل قليلًا بالقرب منك، في الريف ضحية كما في المدينة.. الكبار أيضًا.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.