فكر وثقافة

في مواجهة الحرب: مبادرات ثقافية خجولة في اليمن

صدام الزيدي

قبل أيام أحيا شعراء وكتاب يمنيون فعاليةً تتذكر الشاعر اليمني الراحل محمد حسين هيثم، وهو واحد من أهم كتاب القصيدة الحديثة وممن لهم بصمة في خروج عشرات الإصدارات الأدبية إلى النور قبل سنوات.

 بينما تمضي الحرب في اليمن في عامها الرابع، مخلفةً ندوبًا وفواجع وانتكاسات لا آخر لها، كان للمشهد الثقافي في اليمن غيبوبته التي توشك أن ترسله إلى الهامش، لولا مبادرات هنا أو هناك تحاول إعادة الروح إلى مشهديةٍ تماهت كثيرًا مع الاغتراب.
قبل أيام أحيا شعراء وكتاب يمنيون فعاليةً تتذكر الشاعر اليمني الراحل محمد حسين هيثم، وهو واحد من أهم كتاب القصيدة الحديثة وممن لهم بصمة في خروج عشرات الإصدارات الأدبية إلى النور قبل سنوات.
وغير بعيد، نجحت مبادرة للمنظمة اليمنية للثقافة والإعلام (يرأسها الشاعر صدام كعبابي) في تنظيم ما أطلق عليه “مهرجان اليمن الشعري الأول”، أقيم في بيت الثقافة بصنعاء مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 بمشاركة 20 شاعرًا وشاعرة، وقد توجت الفعالية بالاحتفاء بالشاعر يحيى الحمادي.
هذه المبادرات تجد طريقها إلى النور بأبسط الإمكانيات، وتعكس حالة من الإصرار تنتج عنها أفكار وجهود لأفراد من الوسط الأدبي يتجاوزون ضبابية اللحظة بفعاليات ترمم بعضًا من انهيارات الروح اليمنية في سياق تفاعلات المثقف ومواجعه وتشرداته في أتون الحرب التي أنهكت كل شيء.
لكن، على صعيد نشاطات المؤسسة الثقافية الرسمية، وأيضًا نشاطات كان يقوم بها اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، هي الآن في غيبوبة مؤسفة، فيما تجهد مؤسسات أهلية في صنعاء في إنجاز فعل ثقافي، منها ما هو شبه منتظم، كفعاليات لنادي القصة اليمني (إلـمقه) كل أربعاء، ومؤسسة “بيسمنت” الثقافية، ومبادرات تنشط بين فترة وأخرى يقوم بها منتدى الحداثة والتنوير الثقافي (تأسس قبل عام)، وإضاءات متفرقة لصالون نجمة الثقافي.
حلم عودة مهرجان
 الرواية والقصة
يتحدث الكاتب والروائي محمد الغربي عمران، رئيس نادي القصة، بحسرة، عن تعثر إمكانية إعادة تنظيم مهرجان الرواية والقصة السنوي ليجمع مبدعين في السرد والنقد باستضافة أدباء عرب. لكن الغربي ما زال يأمل بأن “يهلّ فجر جديد على البلاد لتنتظم مثل هذه التظاهرات الأدبية”.
يقول الغربي عمران لـ”ضفة ثالثة”: “بالدرجة الأولى يعتمد نادي القصة في تنفيذ أنشطته على عشق الأدباء لأدبهم وتحقيق ذواتهم”، مشيرًا إلى أن “النادي منذ تأسيسه لا يعتمد على دعم الدولة.. فما بالك بسلطة الأمر الواقع!”.
ويضيف: “أنشطتنا بتبرع ودعم الأدباء، ويمكن لأي أديب يمني أو عربي زيارة النادي عصر أي أربعاء. نطبع قليلًا من الكتب، نكرم روادًا، يمنح النادي درعه السنوي لنجم سردي أو نقدي، تنظيم الورش، نقيم ندوة كل أربعاء.. تتنوع تلك الفعاليات بين السرد والشعر والموسيقى والنقد لضيوف من مختلف المحافظات، كما تلتئم فعاليات نقدية لنتاجات سردية عربية”.
هيثم.. شاعر كثير
الشاعرة والأكاديمية ابتسام المتوكل تؤكد، من جهتها، على إحياء مبادرات لتنشيط المشهد الثقافي وبعثه من حالة الركود التي يمر بها. وترى المتوكل أنه “لا بد من مبادرات تبدأ من الذات”.
وعن فعالية التأمت قبل أيام، بادرت ابتسام المتوكل بمشاركة أدباء وكتاب إلى تنظيمها، حيث أحيا أدباء ومثقفون فعاليةً في الذكرى الستين لميلاد الشاعر محمد حسين هيثم، تقول الشاعرة المتوكل: “فعالية (هيثم) جاءت بمبادرة من مجموعة من محبيه شاعرًا وإنسانًا وكانت قد سبقتها في العام الماضي فعالية ذكرى ميلاده التاسعة والخمسين وكانت ضمن برنامج فعاليات (مؤسسة وقفية عبادي للثقافة والعلوم)، وتجيء هذه الفعالية لتكون انتقالًا من فعاليات التأبين وذكرى الوفاة إلى فعاليات الميلاد وذكرى الحياة، بما أن الشاعر الحق يولد مرات متعددة من خلال قصائده ولا يموت مطلقًا، والفعالية حملت عنوانًا مقتبسًا من شعر محمد حسين هيثم ومن حضوره الإنساني: (شاعر كثير.. إنسان أكثر)”.
بيسمنت تضيء
مؤسسة “بيسمنت” الثقافية هي الأخرى لم ينل منها الانكسار ولم تصل إلى الإغلاق بسبب تداعيات الحرب كما حدث مع أهم كيان يجمع أدباء البلاد (اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين) الذي أغلق أبوابه منذ فترة طويلة. تواصل “بيسمنت” نشاطاتها بينما تنتظم فعالية أسبوعية، ناهيك عن برامج دورية تهتم بتحفيز الإبداع والفن، لا سيما إشراك النساء وتحفيزهن على الإبداع والفن.
تقول شيماء جمال، رئيس مؤسسة “بيسمنت”، إن الشغف وحده والإيمان بضرورة أن نفعل شيئًا لإحياء بعض من ملامح مشهدية ثقافية منهكة هو الذي يقف وراء أنشطة مؤسسة بيسمنت، وتضيف: “نشاطنا يقف وراءه الشغف والإيمان بالفكرة؛ نحن لا ندير مؤسسة ثقافية فحسب، نحن ندير شغفنا، وعند وقوع أية مشاكل، وقد حصلت كثيرًا، نضحي بكل ما أمكن من أجل استمرار العمل. كثيرًا ما انتقدنا على مواقفنا هذه، وكثيرًا ما طلب منا التوقف عن نشاط ما أو تغيير التخصص بما يتواءم مع شكل المرحلة.. وقد كنا على هاوية الإغلاق أكثر من مرة وغالبها لأسباب مالية، لكن الإيمان بالفكرة يجعل من بيسمنت تنجو في أحداث أقرب ما تكون للمعجزات للمشاهد من بعيد، لكن القريبين من الأحداث يعلمون أن بيسمنت هي فكرة، والفكرة لا تموت”.
منتديات حداثوية
قبل نحو عام أعلن مثقفون يمنيون في صنعاء عن انطلاق منتدى حداثوي باسم “منتدى الحداثة والتنوير الثقافي”، وكان لا بد من إصرار ثلة من الشباب المثقف على دعم إقامة فعاليات متفرقة. يؤكد فيصل عبد الجليل، رئيس منتدى الحداثة والتنوير، أن “المنتدى تمكن من تنظيم وإقامة العديد من الأنشطة الثقافية المتنوعة، أدبية وفنية، بجهود وإمكانيات ذاتية”، ويضيف: “لم يتلقَ المنتدى أي دعم مادي حتى الآن، ونحن في المنتدى لا نراهن على أي دعم، بقدر ما نراهن على قدرات وعزيمة الأعضاء المؤسسين”.
كما يعتقد عبد الجليل أن “ما قام به منتدى الحداثة والتنوير الثقافي في عام واحد برغم أنه ليس بمستوى ما كنا نتطلع إلى تنفيذه، حقق نجاحًا رائعًا، في ظل هذه الأوضاع الحرجة، وكنا ندرك منذ البداية أن تأسيس منتدى يحمل أهدافًا تعنى بالتنوير الثقافي وبتكريم رواد والاحتفاء بإصدارات جديدة (في ظروف الحرب) يمثل تحديًا كبيرًا”.
البحث عن دار نشر
إلى ذلك، ترى الشاعرة بدرية محمد (من جيل الشعراء الشباب)، أن ما تفعله مؤسسات ثقافية أهلية ومبادرات يقف خلفها أفراد مهتمون بالشأن الثقافي هو أمر لافت وجدير بالتقدير والتنويه والإشادة. لكن بدرية تتمنى مزيدًا من هذه المبادرات وتتطلع إلى دور نشر تهتم بنشر الكتاب لمساعدة الأدباء والكتاب على إخراج إبداعاتهم إلى النور. كما تتمنى اهتمامًا بتفاعلات السينما كشكل مهم من أشكال الاتصال الثقافي، طالما أن المؤسسة الثقافية في حالة من السبات الثقيل.
أما الشاعر بكيل المحفدي (وهو من الشعراء الذين نجحوا أكثر من مرة في إقامة فعاليات شعرية)، فله تجربة شخصية. “لا تنتظر حتى يأتيك الآخرون.. ابدأ بنفسك ثم استعن بمجموعة ممن هم مستعدون للتفاعل” يؤكد المحفدي، لكنه يرى أنه “تحت وطأة الحرب ومراراتها يقبع المثقف منكفئًا تلوكه الحسرة ويقـتاته الحرمان في وطن استبعد شريحة المثقفين واستفرد به أنصاف المتعلمين”.
مبدعو التواصل الاجتماعي
ينوه المحفدي، أيضًا، بأنه “في ظل الفضاء المفتوح الذي نعيشه اليوم وفي ظل الحرية المتاحة في التواصل الاجتماعي، ظهرت في الأفق تجارب وأصوات شعرية خصبة، وكان للنت دور كبير في انتشار هذا الزخم الثقافي من شعراء وأدباء وفنانين، وبالتالي لا بد من مبادرات ثقافية تواكب كل هذا الزخم، ولا بد من تفاعلات في سياق التواصل الاجتماعي (على الأقل) تعيد الروح إلى مشهدية بائسة”.
 
في غياب المؤسسة الثقافية الرسمية، وتعثر نشاطات الفعل الثقافي.. كم نحن بحاجة إلى مبادرات شبابية ومجتمعية لإعادة الروح الى مشهد ثقافي يتشظى، بينما تواصل الحرب التنكيل بكل شيء جميل؟ للإجابة عن هذا السؤال يراهن الشاب أحمد عفيف النجار على أنه “عندما تضع الحربُ أوزارها وتغرس خنجرَ الفقد والخذلان في كلّ قلب – لحظتها – لن نستطيع التغلُّب على تنكيل الحرب بغير السَّفر إلى الأيام الخُضر ويوتوبيا القصيدة، ففي هذه الأرض السعيدة – معذرةً أقصدُ الحزينة – كلُّ شيءٍ يسير للهاوية والمجهول، والحياة عرضٌ تجريبي لمسلسل الجحيم المنتظر.. فما الذي نأمله؟ ليس الكثير سوى أن نحاول جمع الفراغ المتراكم وأن نُنعش الأماني الذابلة بمياه الإبداع والفن المقدسة”.
مهمة المبادرات الشبابية
ويضيف الشاعر النجار: “بالمبادرات الشبابية والمجتمعية – ولو كانت متواضعة – نستطيعُ فعلًا إعادة الروح إلى جُثة هامدة ونستطيع أن نزرع الابتسامة على كل ثغر، ولا أظنُّ أنَّنا سننجح إن لم نكن نكتبُ نكايةً بالحرب وصلاة للفجرِ الذي هو موعدنا”.
من جهتها، قالت الشاعرة كوثر الذبحاني إنه “في خضمّ سنوات الحرب شهدنا نشاطًا لكثير من الشباب الذين سعوا لإقامة منتديات ونوافذ ثقافية وأدبية، منها منتديات تقام على واتساب، تتجلى فيها إبداعات مبشرة وملهمة، لكن لا بد من تعاون يبدأ من المبدعين أنفسهم، ولا بد من تضافر جهود شبابية ومؤسساتية لإعادة الروح إلى مشهد ثقافي ليس بخير على الإطلاق”.
نقلا عن منبر عربي ثقافي “ضفة ثالثة”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى