يتوافد آلاف الناس ليشاهدوا الطرق الصوفية المختلفة التي تعبر عن حبها للنبي بالمديح والذكر. انتظرت مجيء يوم المولد النبوي لأذهب إلى “ميدان الخليفة” في أم درمان لأشهد أكبر احتفالية بالمولد النبوي، إنه الميدان الأكبر في السودان لتجمع الطرق الصوفية بمختلف فروعها.
يتوافد آلاف الناس ليشاهدوا الطرق الصوفية المختلفة التي تعبر عن حبها للنبي بالمديح والذكر.. كل طريقة اتخذت لها مكانًا جهزته بالمستلزمات المناسبة للمولد.. تتوافد الأسر كاملة بشيخها الكبير وطفلها الصغير، وشباباها وشاباتها، لتحضر هذه المناسبة التي تشبه أن تكون عيدًا في طقوس فرحتها وفي توزيع الحلوى.
لقد شدتني تلك العاطفة الدينية التي تغمر الشعب السوداني، ففرحت بتلك العاطفة التي تنعكس على طيبة خلق هذا الشعب، وحزنت أن تلك العاطفة لا تتوجه للنهوض الاقتصادي في بلد يعتبر سلة غداء للوطن العربي، إنها أزمات العقل المسلم التي تقف حائلا أمام استثمار هذه العاطفة..
كان صديقي يقول ألا ترى هذه الخرافات عند هذه الطرق الصوفية، قلت له: نستطيع أن نحول هذه العاطفة الإيمانية إلى وقود لنهضة شعوبنا لو أننا تحررنا من أزمات العقل المسلم..
ثم قلت له: ألا تعلم أن هذه الشعوب في أفريقيا وكذلك تركيا وإندونيسيا وماليزيا والهند لم يدخلها الإسلام إلا عن طريق التصوف، وبينما أنا أحكي له ذلك سألت نفسي لماذا كان الإسلام قد انتشر عبر هؤلاء لا غيرهم في تلك الحقب الزمنية؛ إن 80% من البلدان الإسلامية غير العربية وصلها الإسلام عن طريق الصوفية؟ فلم أجد إجابة غير تسامح هذه الجماعات وحسن خلقها مع الناس، إضافة إلى ما تركز عليه من ري عطش الوجدان الروحي عند هذه الشعوب..
مررنا بين الخيام الكبيرة المنصوبة لكل طريقة وبدأت أشرح لصديقي نبذة قصيرة عن كل طريقة من الطرق المشهورة التي تفرعت منها باقي الطرق الصوفية، لتفترق في شكل طقوسها وتكوين مريديها وأتباعها. تسع طرق هي الأشهر والأكثر انتشارا في العالم الإسلامي، الست الأوائل منها تتواجد في السودان بفروع كثيرة والثلاث الباقية ليس لها تواجد.
الطريقة القادرية: وتعتبر من أكثر الطرق انتشارا وربما الأقدم وجودا، والسبب يعود لمرونتها وقابليتها للتبني، نسبتها إلى مؤسسها عبدالقادر الجيلاني والذي عاش بين عامي (470 – 561 هــ) يتضمن أشهر مؤلف له “الغنية لطالبي الحق” مجموع خطبه وتفسيره للفرق الإسلامية، يركز في تعاليمه على قيم البر والإحسان، ونجد عنده نزعة إنسانية عالمية، لم ينسب لنفسه معجزات ولا كرامات وإنما نسبها له أتباعه من بعده. وينتشر أتباعها في بلاد الشام والعراق ومصر وشرق أفريقيا. وقد كان لرجالها الأثر الكبير في نشر الإسلام في قارة أفريقيا وآسيا.
الطريقة الرفاعية: تُنسب إلى الفقيه الشافعي الأشعري، أحمد بن علي الرفاعي (512 هـ – 578 هـ) كان معاصرا للجيلاني، وقد شدني وأنا أقرأ في سيرته أنه عُرف بحنانه الشديد على الإنسان والحيوان، وكان أشد ما يكون حدبًا ورعاية للحيوانات الضالة والمريضة. أقول هذا بعد أن غاب في خطابنا الديني تلك النزعة الإنسانية تجاه الإنسان أو الحيوان.
الطريقة الأحمدية: تنسب لمؤسسها أحمد البدوي (ت 675 هــ) وقد نشر طريقته من مصر من طنطا، وانتشرت طريقته من مصر إلى أقطار العالم الإسلامي مثل تركيا وليبيا والسودان وغيرها من الدول العربية والأوربية والآسيوية.
الطريقة الدسوقية: أو الطريقة البُرهانية أو الطريقة البُرهامية، تنسب إلى مؤسسها إبراهيم بن عبد العزيز أبو المجد الدسوقي (دسوق 653 هـ – 696 ه) تأثر بأفكار أبو الحسن الشاذلي، وكان على صلة بأحمد البدوي بمدينة طنطا الذي كان معاصراً له. وقد انتشرت طريقته في مصر والسودان خصوصاً، بجانب بعض الدول الإسلامية والأوروبيّة.
الطريقة الشاذلية: تنسب إلى أبي الحسن الشاذلي: مغربي الأصل حيث ولد سنة 571 هـ، تفقه وتصوف في تونس، وسكن مدينة تونس والإسكندرية، وتوفي 656 هـ. ثم خلفه تلميذه أبو العباس المرسي من أهل الإسكندرية، ولد سنة 616 هـ وأهله من مرسيه في الأندلس، توفي سنة 686 هـ الموافق 1287م. ثم خلفه تلميذه ابن عطاء الله السكندري، ولد في الإسكندرية سنة 658 هـ وتوفي في القاهرة سنة 709 هـ. وهو صاحب “الحكم العطائية” أحد أهم الكتب في تاريخ الصوفية. تنتشر في مصر وبخاصة مدينة الإسكندرية، وطنطا، ودسوق بمحافظة كفر الشيخ، ثم انتشرت في باقي البلاد العربية. وأهم مناطق نشاطها المغرب العربي وسوريا والأردن وحضرموت، والسودان وجزر القمر.
الطريقة التيجانية: تنتسب إلى أبو العباس أحمد التيجاني واسمه الكامل أحمد بن محمد بن المختار بن سالم التيجاني ولد في الجزائر عام 1150 هـ (وتوفي عام 1230 هـ، وقد بدأت هذه الطريقة في بلدة بوسمغون بولاية البيض (الجزائر) وصار لها أتباع في شمال أفريقيا، مصر، فلسطين، الشام، الحجاز، السودان (دارفور)، موريتانيا، السنغال ونيجيريا.
الطريقة النقشبندية: تنسب إلى محمد بهاء الدين النقشبندي ولد سنة 717 ه، وتوفي سنة 791 ه، الموافقة 1388 م، وتنتشر بكثرة في تركيا وكردستان العراق، وهي طريقة ترفض الرقص والموسيقى والطرق المتطرفة في التصوف مثل وحدة الوجود.
الطريقة المولوية: مؤسسها جلال الدين الرومي (604 هـ – 672 هـ). وهو أفغاني الأصل والمولد، عاش معظم حياته في مدينة قونية التركية، وقام بزيارات إلى دمشق وبغداد. وهو ناظم معظم الأشعار التي تنشد في حلقة الذكر المولوية. واشتهرت الطريقة المولوية بتسامحها مع أهل الكتاب ومع غير المسلمين أيّاً كان معتقدهم وعرقهم، ويعدها بعض مؤرخي التصوف من تفرعات الطريقة القادرية. اشتهرت الطريقة المولوية بما يعرف بالرقص الدائري لمدة ساعات طويلة، حيث يدور الراقصون حول مركز الدائرة التي يقف فيها الشيخ، ويندمجون في مشاعر روحية سامية ترقى بنفوسهم إلى مرتبة الصفاء الروحي فيتخلصون من المشاعر النفسانية ويستغرقون في وجد كامل يبعدهم عن العالم المادي ويأخذهم إلى الوجود الإلهي كما يرون. كما اشتهر في الطريقة المولوية النغم الموسيقي عن طريق الناي، والذي كان يعتبر وسيلة للجذب الإلهي، ويعتبر أكثر الآلآت الموسيقية ارتباطاً بعازفه، ويشبه أنينه بأنين الإنسان للحنين إلى الرجوع إلى أصله السماوي في عالم الأزل. لا تزال الطريقة المولوية مستمرة حتى يومنا هذا في مركزها الرئيسي في قونية. ويوجد لها مراكز أخرى في إسطنبول، وغاليبولي، وحلب.
الطريقة البيكتاشية: تنسب إلى الحاج بِكْتَاش وَلِيّ من مواليد نيسابور وتوفي سنة 738 هـ، أخذ بالأفلاطونية المحدثة وبالتصوف الإمامي الإثني عشري. تأثرت بتعاليم الشيعة الاثنَي عشرية وتعاليم الطُّرق القَلَنْدَرِيَّة والحَيْدَريَّة، ومعتقدات اجتماعية تسللت لهم من خلال الدِّيانات القديمة التي دخل فيها الترك قبل إسلامهم كالسَّاميّة والمانَويّة. انتشرت في الأَناضول، ثم في ألبانيا حيث يقيم زعيمهم في تكية تيرانة.
في ختام هذه الجولة في ذكرى يوم المولد وأثناء رجوعي إلى البيت كان سائق الأجرة “الركشة” قد أعاد لي نصف المبلغ الذي اتفقنا عليه، فسألته لماذا؟ فقال مبتسما بمناسبة مولد حبيبنا النبي، ابتسمت وسعدت لهذا السلوك الجميل للتعبير عن حبه للنبي عليه الصلاة والسلام.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.