كتابات خاصة

لياقة الراحلة

سلمان الحميدي

عندما وقعت رواية “الجزيرة تحت البحر” في يدي، كتمت ضحكتي عندما وجدت صورة إيزابيل في الغلاف، صورة قديمة بالأبيض والأسود لامرأة. كان اسم “إيزابيل الليندي” في رأسي، اسم رجل أديب. ظل مدة ليست بالقصيرة، عندما أسمع الاسم أو أجده تحت اقتباس يستشهد به صديق، ترتسم صورة الليندي بلحية مشعثة وشعر غير مرتب نتيجة الانهماك في الكتابة، تماشيًا مع الموضة السائدة لبعض الكتاب في القرن الماضي.

وعندما وقعت رواية “الجزيرة تحت البحر” في يدي، كتمت ضحكتي عندما وجدت صورة إيزابيل في الغلاف، صورة قديمة بالأبيض والأسود لامرأة.
ملامح الصورة العادية مع ملامح إيزابيل، جعلتني أعتقد أنها روائية راحلة، مثلها مثل ديستوفيسكي وتولستوي ومارك توين، لا أعرف سبب ربط هؤلاء في مجموعة واحدة وتشكيلهم كدفعة تخرج، كنت قد قرأت وفاة تولستوي ووصيته أن يدفن بشكل بسيط دون طقوس الجنائز السائدة، أما ديستوفيسكي فلا شك أنه قد رحل عن الدنيا من زمان، لكن مارك توين فلست متأكدًا من ذلك..
المهم، أني ضحكت هذا الأسبوع، عندما تصفحت خبرًا على البي بي سي حول تكريم الروائية الشهيرة إيزابيل الليندي بجائزة في نيويورك. تكريم المرأة التي ظننتها رجلًا، المؤلفة التي ظننتها راحلة ما زالت حية ترزق.
الصورة الملونة بدت رائعة، امرأة -رغم تقدمها في السن- لم تفقد أناقتها الأنثوية كما لم تفقد لياقتها الإنسانية، ما يزال عقلها متوهجًا كما لو أنها تحت تأثير “الجزيرة تحت البحر”، تحاول الانتصار للمهاجرة المظلومة التي وجدت نفسها عبدة في أرض الميعاد، كأنها ما زالت تتابع السرد وفي روحها تكمن طاقة مدخرة تمكنها من صياغة جزء جديد، وكأنها ما زالت متسمرة أمام الشاشات وتتصفح مواقع الأخبار الناقلة لبؤس العالم الثالث.
ستقول:
«أصدقائي إنه لزمن مظلم، إنه زمن القومية والعنصرية، القسوة والتعصب، الزمن الذي أصبحت فيه القيم والمبادئ التي تدعم حضارتنا تحت الحصار، إنه زمن العنف والفقر بالنسبة للكثيرين، حشود من الناس الذين اضطروا إلى أن يتركوا خلفهم كل ما عرفوه وألفوه ليقوموا برحلة خطرة لإنقاذ حياتهم».
سيعجز كثيرون عن تلخيص حياتنا هذا التلخيص، وبالرغم أن اليمنيين يقولون: لا تكسر الحجر إلا اختها، ستعجز أمل باشا من إنكار العنف الذي تستخدمه المليشيا الحوثية ضد اليمنيين والفقر الذي تسببت به، قد تخفي تعصبها للحوثيين خلف أردية المدنية والمظهر الخارجي الذي تظهر به، لكنها لن تنكر العنصرية والقسوة ولا اضطرار الناس لترك ما عرفوه وألفوه إلتماسًا للنجاة من الحرب.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى