كتابات خاصة

مقال بلا عنوان

حسن عبدالوارث

-أنا نفسي لا أدري ماذا يحدث في اليمن يا صديقي!

أكره نفسي حين يسألني صديق عربي أو أجنبي عن حقيقة ما يحدث في اليمن. وأكره هذا الصديق أيضاً. وفي بعض الأحيان أفكر في حظره من خاصية التواصل معي عبر أية وسيلة.

-أنا نفسي لا أدري ماذا يحدث في اليمن يا صديقي!
في كل مرة يندلق هذا السؤال على أُمِّ رأسي، يحضرني مشهد تمثيلي للفنان عادل امام، يشرح فيه -لأصحابه – طبيعة ما يحدث في هذا البلد أو ذاك، على طريقته الخاصة:
-“دول أختلفوا مع دول.. قام دول أشتبكوا مع دول.. دول يسكتوا لهم؟ .. لا طبعاً.. طيب دول يعملوا ايه مع دول؟ .. نحن نبقى شوية مع دول.. وشوية مع دول….”!
وهكذا يمضي في شرحه للمشكلة من دون أن يُفضي إلى جملة مفيدة أو رؤية سديدة أو معنى واضح لطبيعة الموضوع الذي أنبرى للحديث عنه، مُفصحاً ومُوضحاً، قبالة رفاقه الذين خرجوا من مولده بلا حمص!
وهذا بالضبط ما أجده ماثلاً أمامي، كلما نويت الشروع في شرح حقيقة ما يحدث في اليمن.. ليس ما يحدث اليوم.. ولا منذ أربع سنوات.. بل من زماااااان.. منذ أن استيقظ المرء على شيءٍ ما يحدث في هذا البلد الذي أسموه -في يوم بعيد- بالسعيد.. مهما كان نوع ذلك الحدث الذي حدث أو لا يزال يحدث: حرب.. أزمة.. مشكلة.. خلاف.. ثورة.. انقلاب.. زلزال.. سيول.. عراك في حارة، أو اشتباك في مغارة!

لا تستغرب إذا نشبت حرب ضروس في هذا البلد.. ثم رأيت الأعراس تُقام على لعلعات الرصاص ودويّ القذائف، كنوع من التوفير في تكلفة مظاهر الابتهاج!
لا تستغرب إذا فُرضت حالة طوارىء وحُظر التجوال في البلد، فخرج الناس جميعاً إلى الشارع للإطلاع بفضول على هذا الحظر.. أعرف أنها محض نكتة، لكنها لعمري أُمُّ الحقائق في هذا البلد!
ثم -وهذا الأهم- يا صديقي.. لا تستغرب البتة إذا انقطعت رواتب الموظفين لحولين كاملين.. ثم رأيت عاصمة البلاد وبعض مدنها الكبرى تزدحم بمشاريع استثمارية جديدة في مجال التسوق كالمولات ومحلات الأزياء وأسواق الكماليات والملاهي، عدا المطاعم الفاخرة.. أو رأيت العقارات والعمارات تخنق كل متنفس وتربض على كل متر مربع!
وإذْ بك تلتفت يُمنةً ويُسرة فتصطدم بحالات مليونية من صور المجاعة، وترى الأطفال والنساء والعجائز يتساقطون صرعى جراء الجوع على نحو يومي.. وترى جيشًا جرارًا من أكلة نفايات المزابل وأوراق الشجر.. وترى مؤشر خط الفقر وما دون هذا الخط يزداد هبوطاً في الرسم البياني وصعوداً في الواقع العياني!
قد استرسل معك إلى يوم القيامة في تعداد موانع الاستغراب في هذا البلد الذي نشأ جراء طفرة مُغايرة لكل قوانين الطبيعة والاجتماع، بل ولكل قواعد البداهة التي فَقَهَها العقل البشري منذ قدوم آدم إلى الأرض.
-هل تدري يا صديقي أن ولد آدم قتل أخاه في هذا البلد؟

قال أحدهم يوماً: “إن اليمن هو البلد الوحيد الذي يملك ماضياً لا يُمكن التنبوء به”! .. لاحظ أنه قال ماضياً، لا مستقبلاً، حتى لا يلتبس عليك الأمر.
ونحن شعب نقيم في الماضي.. لا نعيش الحاضر.. ولا نحلم بالمستقبل.. فماضينا لا يمضي.. وحاضرنا لا يحضر.. ومستقبلنا مات منذ ألف عام!
ستبيد الأرض، وربما الكواكب كلها، بل قد تبيد المجرة بكاملها.. فجأة، سترى اليمن تقعد القرفصاء في مكانها.. وسترى اليمنيين يخرجون للتسوق، ثم يذهبون لقطف وريقات القات في أعلى قمة في جبال التبت.. ولن أخبرك ماذا سيفعلون بعد ذلك!
اقتلني يا صديقي قبل أن أسترسل.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى