كتابات خاصة

مذكرات صحفي مختطف (3)

عبدالله المنيفي

المشروع الحوثي لم ولن يقبل  بالشراكة حتى مع مَنْ قدموا له أعظم الخدمات في أصيل يوم من أواخر شهر أبريل 2016، حينها كنت تحت الاخفاء القسري، سمعت وأنا في فصل دراسي محكم الإغلاق أصواتًا من شاشة تلفزيون كان لدى عناصر الحوثي الأمنية، علمت بعدها أن الرئيس السابق علي عبدالله صالح قد دعا أنصاره من المؤتمريين المتحالفين مع مليشيات الحوثي للاحتشاد في ميدان السبعين، فقمت إلى خلف الباب لأستمع ما يقول، كان يدعو العالم ليرى شعبية المؤتمر المتماهية مع مشروع الحوثي، بينما كان أحد العناصر الحوثية يستنكر على صاحبه الاستماع إلى صالح وهو عدو قادم، فيرد عليه أنه يجب أن نعرف عدونا الذي هو اليوم معنا، واتبع كلامه قائلاً: “في يومٍ ما سأكون أول من يدخل له إلى بيته”.
استمعت مع رفاقي باندهاش لهذا الحديث، فيومها كان الحوثيون وصالح في أوج تحالفهما الذي أنتج بعد ذلك بأشهر سلطة انقلابية مشتركة، ولا تزال تلك الكلمات ترنّ في أذني حتى بدأت عرى التحالف المشبوهة تنحل.
كانت عناصر الحوثي في سجن الثورة الاحتياطي توزع علينا صحيفتهم لنقرأها فلا نجد فيها ما يستحق القراءة، وكنا نلجأ إلى شراء صحيفة اليمن اليوم منهم بمبلغ 250 ريالاً لنعرف من خلالها الأحداث، وإن كانت متماهية مع الخطاب الحوثي الانقلابي حينذاك، إلا أن الأمور تغيرت من أغسطس 2017، عندما احتشد أنصار صالح مرة ثالثة في ميدان السبعين تحت تهديد سلاح الحوثي، بعدها منعوا عنا صحيفة اليمن اليوم، بل ووصل الأمر إلى تهديد من يسربها إلى السجناء، بالسجن الانفرادي.
وفي ليلة باردة من شهر نوفمبر 2017، أفرغتْ مليشيات الحوثي العديد من العنابر في الدور الثالث من سجن هبرة بشكل كامل، وكدسونا في عنابر الدورين الأول والثاني، وحين عبرنا عن استيائنا لهذا التعامل، كان ردهم بأن هناك أعدادًا كبيرة من السجناء سيملأون العنابر المُفرغة، كان ذلك قبل أكثر من شهر على أحداث ديسمبر بين الحوثيين وصالح.
كنا نحاول أن نعرف ما يجري في الخارج، لكن الحوثيين منعوا عنا الزيارات، في وقت بدأت التوترات في العاصمة تتصاعد، حتى لا تصل أي أخبار عما يحدث، رغم أننا كنا نسمع أصوات القذائف والانفجارات من أماكن بعيدة، ولعلعة الرصاص في أحياء تبدو قريبة نوعاً ما، لنفاجأ أن الحوثيين قد جلبوا عشرات السجناء دفعة واحدة وملأوا بهم عنابر السجن التي فرغوها قبل حوالي شهر من الأحداث الدامية بين من كانوا يطلقون على أنفسهم يوماً قطبي التحالف الوطني.
لقد كان التفسير واضحاً بالنسبة لنا نحن المعزولين عن محيطنا الخارجي، فالحوثيون قد بيتوا الغدر بشريكهم الذي انتهت صلاحية استخدامه، وأن المشروع الحوثي لم ولن يقبل  بالشراكة حتى مع مَنْ قدموا له أعظم الخدمات.
كانت لجان من البحث والأمن تنزل إلى السجون تحت مسمى لجان العفو العام التي شكلها مجلس الحوثي-صالح السياسي، ضباط برتب عالية يتقدمهم مراهق يحمل رتب ونجوم اكتسبها في أشهر قليلة، كان الضباط الذين يفترض أنهم يتبعون صالح يعدوننا بالإفراج، فيرد الضابط المراهق بإشارة من يده أنه لن يخرج أحد، ويأتي بعدها مشرف السجن ليحلف أيمان مغلظة أن هؤلاء الضباط لا يستطيعون اخراج سجين واحد.
– يتبع
——————
عبدالله المنيفي، صحفي يمني اعتقله الحوثيون (760) يومًا واُطلق سراحه بوساطة قبلية.
*سلسلة المقالات (مذكرات صحفي مختطف) خصّ بها “يمن مونيتور”، وتمثّل شهادته على أحداث اعتقاله، ويمنع نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى