“احتضار التعليم”.. الأوضاع الاقتصادية تدفع اليمنيين لإخراج أولادهم من المدارس (تقرير خاص)

تشبه قصة “بثينة” مئات الآلاف من الأطفال الذين لم يعد بقدرة عائلتهم الإنفاق على التعليم، يمن مونيتور/ صنعاء/ تقرير خاص:
لم تستطع بثينة (11عاماً) الذهاب إلى المدرسة فوالدها توقف راتبه منذ أكثر من عام، وقررت العائلة أن تبقى في المنزل لمساعدة أمها أما اثنين من أشقاءها الصغار فهم يعملون في “مطعم” صغير وسط العاصمة اليمنية صنعاء.
تشبه قصة “بثينة” مئات الآلاف من الأطفال الذين لم يعد بقدرة عائلتهم الإنفاق على التعليم، يقول والد بثينة (أحمد علي) الذي كان يعمل في حارساً لمدرسة ثانوية لـ”يمن مونيتور”: “كان علينا أن نختار بين الخبز والتعليم، ثلاثة من أولادي خارج المدرسة، نحن نعيش أوضاع كارثية”.
يقول وزير التربية والتعليم في الحكومة المعترف بها دولياً، عبدالله لملس، إن أكثر من مليون طفل يمني لا يستطيعون الالتحاق بالمدارس بسبب حرب جماعة الحوثي.
وفي اجتماع رفيع المستوى حول الدور الإستراتيجي للتغذية المدرسية في دعم التعليم والتنمية الشاملة والاستقرار في بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الذي انعقد قبل أيام في تونس، ذكر لملس أن مليوني طفل لا يحصلون على نظام تعليم رسمي.
 
الظروف الاقتصادية
مثل، والد بثينة، أثرت الظروف الاقتصادية الحالية بشكل كبير على أغلب اليمنيين، وهو ما اضطر عبدالله نصر غالب الذي يسكن في مذبح بالعاصمة صنعاء، على إيقاف دراسة ابنه عمر الذي لا زال بالصف الثاني، لأنه لم يجد مدرسة حكومية قريبة من سكنه.
ويبيَّن غالب لـ”يمن مونيتور”: “يصعب علي دفع رسوم المدارس الخاصة، فأنا دون مرتب، وبالكاد نستطيع أن نعيش ونوفر ما نحتاجه، عن طريق القليل من المال الذي يصلنا من بعض الأهل المغتربين”.
ويضيف “لقمة العيش أصبحت أهم بكثير من التعليم والصحة، وهذا الأمر ليس بيدنا، بل هو واقع آلاف الأسر اليمنية التي تعاني بشكل يومي”.
مؤخرا حذر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارك لوكوك، من “مجاعة وشيكة” في اليمن، فنحو 3.5 مليون يمني من المحتمل أن يعانوا من انعدام حاد في الأمن الغذائي، خلال الأشهر المقبلة، ليضاف ذلك إلى ثمانية ملايين تصل إليهم مساعدات شهرية، ليصبح العدد 11 مليونًا.
بينما العدد الإجمالي لمن يواجهون ظروف ما قبل المجاعة، أي المعتمدين تمامًا على المساعدة الخارجية للبقاء على قيد الحياة، قد يصل قريبًا إلى 14 مليونًا، وفق لوكوك.
 
التعليم في تعز
وكانت أسماء المخلافي وهي موجهة تربوية بتعز، ذكرت أن كثير من المدرسين يجدون صعوبة في توفير قيمة المواصلات إلى المدارس.
واستطردت المخلافي لـ”يمن مونيتور”: “صحيح أن المعلمين يحصلون على مرتبات في تعز، إلا أنها لا تفي بمتطلباتهم نتيجة لارتفاع الأسعار، كون ما يحصلون عليه فقد قيمته وبعضهم يصل دخله إلى حوالي 50 دولار وآخرين 100 دولار فقط”.
وقالت إنها لم تعد تلحظ وجود دافع للتدريس لدى كثير من المدرسين الذين تأثروا كثيرا جراء تدهور الوضع الاقتصادي، مشيرة إلى تأثر الطلاب نتيجة الحرب، وعدم رغبتهم بالدراسة، واعتمادهم على الغش للنجاح من فصل لآخر.
 
ثلث قيمة الراتب
ويحصل فقط نحو 200 ألف موظف بالدولة على مرتباتهم، فيما يوجد أكثر من مليون آخرين –بينهم معلمين- يتوزعون في المناطق غير المحررة يعيشون أوضاعا اقتصادية صعبة نتيجة انقطاع أجورهم.
في تقرير حديث صادر عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، فإن الموظف اليمني فقد ثلث القيمة الحقيقية لراتبه خلال شهر واحد، بسبب انهيار الريال اليمني مؤخرا بشكل كبير، والذي أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 30%.
وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل اليمنية الدكتورة ابتهاج الكمال، تقول إن جماعة الحوثي حرمت أكثر من 4.5 مليون طفل من التعليم، منهم مليون و600 ألف طفل حرموا من الالتحاق بالمدارس خلال العامين الماضيين، بعد إقدامها على قصف وتدمير 2372 مدرسة جزئيا وكلياً، وتحويل أكثر من 1500 مدرسة إلى سجون وثكنات عسكرية.
ووفقا لـ”الكامل” فقد جعل الحوثيون أكثر من 2 مليون طفل عاملا جراء ظروف الحرب، إضافة إلى قيامهم بتجنيد ما يزيد عن 23000 طفل بصورة مخالفة للاتفاقيات الدولية، وقوانين حماية حقوق الطفل، وهو ما يعني حرمان أولئك من التعليم، بحسب وكالة سبأ الحكومية.
منظمة اليونسكو للتربية والعلوم والثقافة ذكرت في إحصائية لها أن اليمن جاءت في المرتبة الثانية -عربيا- بعد موريتانيا، وهو مؤشر خطير ينذر بارتفاع نسبة الأمية في البلاد بشكل أكبر جراء استمرار الحرب.
حول أسباب تدهور التعليم، يفيد مستشار المنظمة العربية للتربية طاهر الشلفي أن ذلك يعود إلى وجود اختلالات كبيرة واتساع للهوة من حيث الكم وكذا في الجودة والنوعية، والذي كان نتاج لتراكم سياسات خاطئة ولتدخل توجهات سياسية حالت دون إصلاحات وتطوير النظام التعليمي.
ويشير إلى أن “السنوات الأخيرة عانت من شبه انهيار كامل للعملية التعليمية وأصبح الوضع كارثي، خاصة بعد توقف صرف أجور المعلمين التي حرم منها 75 % ما يقارب 200 ألف معلم، وكذا خروج أكثر من 3000 مدرسة عن العمل بسبب الدمار الكلي أو الجزئي، إضافة إلى توقف طباعة الكتاب المدرسي والميزانيات التشغيلية للمدارس وأنشطتها التعليمية الهامة”.
 
اختلالات التعليم
أدى ذلك إلى اختلالات وانهيار متسارع للنظام التعليمي، فقد تراجعت نسبة الالتحاق بالتعليم عام 2017 بنسبة 3% مقارنة بـ2016، إضافة إلى وجود نسب مخيفة لتجاوزات حقيقة لمعايير جودة التعليم؛ حيث تقلصت ساعات التعلم في المدرسة بشكل كبير مقارنة بالساعات المعتمدة للتعلم بحسب المعايير الدولية، على حد قوله.
ومن أجل تعافي التعليم ولو بشكل تدريجي –الشلفي- اتخاذ وتنفيذ حزمة من السياسات الطارئة المتمثلة بالعمل سريعا على إيقاف التدهور، وتعزيز قدرات المؤسسات التربوية على الاستمرار في أداء عملها، وكذا تحسين مؤشرات التعليم، وتعزيز القدرة على التدخلات ببناء تصورات للحد من تلك الكارثة.
وهناك تحذيرات من استمرار تدهور التعليم في اليمن، خاصة في ظل تحريف المناهج الذي يقوم به الحوثيون، وهو ما سيؤثر بشكل كبير على التنمية في البلاد مستقبلا، كون مخرجات المدارس والجامعات بعد ذلك ضعيفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى