كتابات خاصة

خذ الحكمة من أفواه المساكين

إفتخار عبده

 ينافسون البشر منافسة شريفة وهادئة، تجدهم لايسألون الناس إلحافا إباءً وكبرياء، وتترفع أنفسهم عن أن يمدوا أيديهم ويسألون، لديهم عزةٌ في النفس كبيرة حتى أنك تحسبهم أغنياء من التعفف، لا يتوقفون عن العمل والبحث عنه، لأنهم مدركون تماما تقلبات الحياة ومصائبها.

كلُ يوم يزيد عدد من يمكن تسميتهم بالمساكين وإدخالهم في قائمتهم، فالمساكين هم الذين ما زالوا يصارعون الحياة لأجل البقاء فيها رغما عنها، ومن هؤلاء الكثير ممن تضرروا من الحرب فلم يعودوا يشعرون بفاقة الآخرين فقط؛ بل قد أصبحوا يعيشونها ليل نهار.

 انضموا إليهم رغما. عن أنفسهم، وأنت من هؤلاء وأولئك تجد الحكمة التي هي ربما في غياب عنك، فهؤلاء من عانوا وتحولوا فجأة من حياة الهناء والرخاء إلى حياة الشدة والقسوة، وأولئك لم يعرفوا حياة الرخاء قط، بل إنهم يتعايشون مع العناء، وفيه حتى أصبح سمة من سماتهم.. تعرفهم بالصبر وعدم الاتكال على الآخرين، فالمساكينُ لا يتكلون على الآخرين في أمورهم.. إنهم يعملون بصبر وإصرار.. يعملون بإتقان كي يعشوا كبقية البشر.
 ينافسون البشر منافسة شريفة وهادئة، تجدهم لايسألون الناس إلحافا إباءً وكبرياء، وتترفع أنفسهم عن أن يمدوا أيديهم ويسألون، لديهم عزةٌ في النفس كبيرة حتى أنك تحسبهم أغنياء من التعفف، لا يتوقفون عن العمل والبحث عنه، لأنهم مدركون تماما تقلبات الحياة ومصائبها.
 خذ الحكمة من أفواه المساكين، فهم مختلفون جداً بحياتهم الأسرية، متكاتفون كثيراً وكلٌ يحمل الآخر في سعادته وشقائه، يتعاونون على تقلبات الحياة، فمن نقصه شيء مهم يوفره له الآخر بأقرب ما يكون دون أن يمن عليه أو يتعالى.
 هكذا هي حياتهم بسيطة إلى أبعد حد، رقيقة رغم شظف العيش فيها، إنهم يضيفون عليها أنواعاً كثيرة من الاطمئنان حتى تبدو على عكس مايراها الناس.. فالناس يرونها في الظاهر متعبة ومعقدة، لكنها ممتعةٌ ولذيذة كلذة الحرية فهم الأحرار حقاً؛ لأنهم لم يدخلوا يوما بالتكتلات الحزبية التي لا جدوى منها سوى الخيبات.
 هم يرفضون أن يكونوا سلماً يصعد عليه الكبار فيدوسونهم وهم لا يشعرون؛ لذا تركوا الحزبية وأهلها ومضوا في حالهم يعملون لأجل البقاء كراماً فقط، وإن تطلب منهم ذلك أن يظلوا على الحال التي هم عليها.
المساكين لديهم صفات عظيمة لا يتصف بها إلاالنبلاء حقاً، وتكاد تخلو هذه الصفات إلا منهم ، فهم قنوعون إلى درجة كبيرة، وكما تعلم أن القناعة في هذا الزمن شبه معدومة.
 لا يبالغون كثيراً بحب الحياة والجشع إزاء ذلك، فمن يمتلك منهم قوت يومه كأنه ملك الدنيا بحذافيرها، ومن صفاتهم  كذلك الحلم الكبير؛ لذا تجد فيهم الهدوء والاستقرار، استقرار كبير في أنفسهم رغم حياتهم المضطربة.
 من هؤلاء ينبغي عليك أن تأخذ الحكمة، فهم وحدهم من سيفيدونك بها.
 مع هؤلاء ينبغي عليك أن تجري الحوار بعد الآخر، وستجد الفائدة.. أما حوار الآخرين فعبارة عن هراء وادعاء.
خذ الحكمة من أفواه المساكين؛ فهم وحدهم أعني بحديثي!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى