كتابات خاصة

تجهيل عدن

أحمد ناصر حميدان

حرب قذرة تستهدف الناس، وعيهم ومعيشتهم وأرواحهم، لتعيق نهضتهم.

 الحروب هي مرتع للطفيليات، حيث يسود العنف والتعصب وكياناته طارئة، تدير العملية، وتفرخ لها نقابات ومنظمات مجتمع مدني ومليشيات، واقع الحرب يفرز المجتمع لجماعات نظامية تصارع من اجل الدولة والحق، وجماعات غير نظامية (مليشيا) ينصب نضالها في مصالحها الأنانية باستمرار الحرب والحاق الضرر والأذى بالجميع، بشعارات زائفة وارتهان وعمالة لاستخبارات دول تدير هذه الحرب.
حرب قذرة تستهدف الناس، وعيهم ومعيشتهم وأرواحهم، لتعيق نهضتهم.
ولا تنهض الامم دون وعي، يصيغه العلم في المدارس والجامعات، لتسود الثقافة وتتبلور الأفكار، وتنير العقول لتحطم قيود الماضي لتتجاوز عثراته.
نهضة المانيا بنساء الأنقاض، بالبحث عن الكتب من تحت أنقاض المباني ونفض  غبار الحرب عنها، للبدء بعملية التدريس والتعليم، وهكذا نهضة اليابان وماليزيا.. وكثير من الدول ونهض العالم، كما قال نيلسون منديلا (التعليم هو أقوى سلاح يمكنك استخدامه لتغيير العالم).
وحاولنا أن ننهض في جنوب اليمن، من عدن كمصدر اشعاع وتنوير علمي وثقافي، كان لها دورها الريادي والوطني بعد الاستقلال، تجند أبناؤها ومثقفوها ومفكروها وانتشروا في الصحاري والبراري والجبال والجزر للتدريس وتنوير عقول الريف  ومحوا الجهل والامية، كخدمة وطنية برواتب رمزية، في مناطق نائية تفتقر لأبسط سبل الحياة والمعيشة، مناطق البدو والرحل وبيئة قاسية وصعبة، في مهمة كانت أعظم كواجب وطني وانساني، تتجاوز أنانية الفرد والجماعة، ولا ننسى شهداء هذه المهمة، وحرب القوى الرجعية حينها في مناطق الحدود استهدفت المعلمين.
بعد خمسين عامًا، يرد الجميل لعدن بتجهيل الجيل الصاعد، بإغلاق مدارسها، وحرمان الطفل والجيل الجديد من حقه بالتعليم، وحق عدن في أن تبقى مصدر اشعاع وتنوير علمي ووعي وتثقيف، ترسخ الروح الثورية ومفهوم التغيير والحرية والاستقلال في وجدان الناس.
عدن في صراع حميم، بين العلم والعنف، بين الفكر والعصبية، بين الكلاشينكوف والقلم، في سيناريو الاغتيالات، والاخفاء القسري، وسجون الرأي والتعذيب، واختيار الضحايا بعناية، لتجريف المجتمع من العقول والأفكار النيرة، وأدوات التنمية السياسية والفكرية لصالح التجهيل والعصبية.
ما هو قائم تجاوز حدود الاضراب المهني، والحق الخاص الذي يمس الحق العام، لإغلاق المدارس، لترسيخ التبلد والاحباط في نفوس وعقول الجيل الصاعد، وهو في امسّ الحاجة اليوم للنشاط الذهني، والاستمرارية في التفكير والابداع، وتحرير العقل، ليكن في مستوى المسئولية الوطنية والانسانية التي تمكنه من دعم تعافي وطن وتجاوز كل عثراته.
إغلاق المدارس، لخلق فراغ قاتل لجيل متنفسه الوحيد هو التعليم، المدارس والجامعات، فراغ تملؤه أوكار العصابات والعنف والتطرف والارهاب والمخدرات، وتجنيد للأطفال، والاغتصاب والمتاجرة، والحد من الفكر والتفكير.
نحن اليوم في عدن في مواجهة مباشرة مع الجهل والعصبية، للتجهيل بمبرر الحقوق ومستحقات المعلمين في مساس صارخ للحق العام، دون مراعات لحساسية المرحلة واستثنائية الحرب، والمهمة الوطنية الملقاة اليوم على عاتق كل الشرفاء والأحرار في إنقاذ وطن.
يحدث هذا تحت ظل حكومة ينخرها الفساد فلا تهتم بما يجري، ومجتمع غير مبالٍ بخطورة إغلاق المدارس، ومؤسسات عاجزة في مواجهة هذا الخطر، والخوف الذي يسري اليوم في المجتمع من عنف وتهور الكيانات الطارئة تسرح وتمرح بعبث، لتنفذ أجندات المؤامرة التي كشفت تفاصيلها صحيفة (بزفيد نيوز) الأمريكية بالصوت والصورة، فضيحة بجلاجل، عرفت عدن المتهم وأذنابه ومرتزقته.
عدن في خطر التجهيل (يكاد ينتهي الفصل الدراس الأول والمدارس مغلقة)، خطر يتطلب تكاثف الجهود، مجتمع ومؤسساته المدنية والدولة ومثقفين ومفكرين وأكاديميين ونقابيين وأحزاب لمواجهة هذه المؤامرة والتصدي لها.
والشكر لمؤسسات تجديد للتنمية والديمقراطية، وجلسات الحوار التي شاركنا فيها لنواجه عقلية عصية على التغيير والتفاهم، وإصرارهم على استمرار إغلاق المدارس حتى تحقيق أهدافهم السياسية، بلغة عنف التهديد والوعيد.
معًا لنحفظ عدن والجنوب واليمن من الانهيار التام لتفتح مدارسها ونصون جامعاتها  من عبث العابثين.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى