جاء في ( الصّحاح في اللغة) لغا يلغُو لغواً، أيّ قال باطلاً، ويُقال : لغوت ُ باليمين، واللَّغو، والفُحْش، والغِيبة، والنميمة، والكذب سيّان، وجاء فى التهذيب: لَغا فلان عن الصّواب وعن الطريق إِذا مالَ عنه، واللَّغْو ما لا يُعْتَدّ به لقلته أَو لخروجه عن المألوف .
جاء في ( الصّحاح في اللغة) لغا يلغُو لغواً، أيّ قال باطلاً، ويُقال : لغوت ُ باليمين، واللَّغو، والفُحْش، والغِيبة، والنميمة، والكذب سيّان، وجاء فى التهذيب: لَغا فلان عن الصّواب وعن الطريق إِذا مالَ عنه، واللَّغْو ما لا يُعْتَدّ به لقلته أَو لخروجه عن المألوف .
وبعد إنثيال أمثال، وأقوال من هذا اللّغو الذي لغا به اللاّغون فى المدّة الأخيرة بدون هوادة في المغرب عن الصّراع بين الفُصحىَ والعامية، سرعان ما ذهب لغوُهم أدراجَ الرّياح..غداة ذلك تنفّس المغاربة الصّعداء بعد الأنباء التي راجت وانتشرت مؤخراً عن احتمال إعفاء صاحب هذا التوجّه الدارجيّ والعاميّ، والمتحمّس للدّعوات الرّامية إلى نشر الدارجة وإدماجها، وإحلالها، وإقحامها، وإدراجها في مناهج التربية والتعليم من «عضوية المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي»، ولابدّ أنّ هذا الإعفاء – في حال تأكيده وتنفيذه – سيُعتبر انتصاراً لعاشقي لغة الضّاد ليس في المغرب وحسب، بل في مختلف أنحاء المعمورة .
نقاش أرعن
خلال النقاش الذي دارت رحاه منذ سنوات خلت عندما انطلقت مثل هذه الدعوات الجوفاء لإدراج تدريس الدراجة أو العاميّة ضمن مناهج التربية والتعليم في المغرب التي كانت قد جاءت من جهاتٍ مشبوهة مشكوك في نيتها، ومسعاها، وكذا فى مستواها الثقافي، عندما أنطلقت هذه الدعوة تصدّينا لها فى حينها، وكان في اعتقادنا أننا أسكتنا هذه الأبواق المُحَشْرَجَة التي تروم الخروج عن المألوف، وقلنا إبّانئذٍ إنّ الدعوة إلى تبسيط اللغة ونحوها وقواعدها لا يعني بتاتاً في شيء إستبدالها بكلمات عاميّة قد لا يفهمها حتى المغاربة فيما بينهم لتعدّد اللهجات، وتباين المسمّيات، وتنوّع المصطلحات من منطقة إلى أخرى، ومعروف أنّ دارجة شمال المغرب تختلف عن جنوبه، وعامية شرق المغرب تتباين عن غربه، هذا الإختلاف، والتباين قد يكون بين مدينة وأخرى. بل كانت تلك المطالب تهدف إلى مراجعة بعض المسائل التي تُشغل بالَ اللغويين، واللسنيين المُتخصّصين لتقريب ذات البيْن بين لغة فصحى تتّسم بالخصوبة والفحولة وبين لغة مبسّطة تنأى عن الكلمات، والمصطلحات الحوشية المهجورة .
دعوات قديمة
فى هذا القبيل، طالما نادى بمثل هذه الدعوات وروّج لها غيرُ قليل من المثقفين من قبل، ولا شكّ أن القارئ يلاحظ كم فيها من مغالاة لأنّها لا تستند إلى أساس سليم تُبنى عليه، وهي لا ترمي سوى إلى تشتيت التراث العربي والإسلامي وتشويهه. و هكذا لم يُكتب النجاح في هذا القبيل لا لدعوة سلامة موسى، ولا لدعوات غيره من أمثال أمين شميل، وعبد العزيز فهمي، وقبلهما الدكتور سبيتا، وويلمور، ووليم ويلكوكس وسواهم، وظلت السّيطرة للفصحى وللحرف العربي إلى اليوم، وهكذا وئدت هذه الدعوات في مهدها، هؤلاء كان فى قلوبهم غلّ، أو ربما كانوا ذوي نيّات حسنة، ولكنهم في آخر المطاف لم يكونوا في مأمن من الخطأ والزلل، ومعروف أنه منذ منتصف القرن الماضي حار قوم فى إستعمال الفصحى أم العامية، وتعدّدت الدراسات في هذا المجال بين مؤيّدٍ للعامية متعصّبٍ لها بدعوى التبسيط والسّهولة واليُسر، وبين مُستمسكٍ بالفصحى لا يرضى بها بديلا . والحقيقة التي أثبتتها السّنون أن الغلبة كانت للفصحى على الرّغم من هذه الدعوات والمحاولات، فكم من كاتب نادى وتحمّس للعاميّة وعمل على نشرها وتعميمها – كما رأينا آنفاً- ثمّ عاد يكتب بفصحى ناصعة نقيّة، وفي فترة مّا من فترات حياة الأديب محمود تيموركان قد تحوّل عن الفصحى إلى العامية بل إنه كتب قصصاً بها، غير أنه سرعان ما عاد كاتباً عربياً مبيناً، بل ومتحمّساً كبيراً للفصحى ومدافعاً عن لوائها كعضو بارز فى مجمع اللغة العربية في القاهرة . ودعوات الأديب والشاعر اللبناني الكبير سعيد عقل، وسواه من الكتّاب إلى إستعمال العاميّة معروفة وسال من أجلها حبر غزير .
اللغة وإشكاليات الهويّة
ومعروف أنّ المغرب بلد متعدّد الأعراق، والأجناس، والإثنيات، وهو يزخر بثقافة متنوّعة، وحضارة ثريّة. تمتدّ جذورها في عمق تاريخه الطويل، فبالإضافة إلى سكّانه الأصليين من الأمازيغ، فقد توافدت عليه العديد من الهجرات المتوالية القادمة من المشرق، ومن جنوب صحراء إفريقيا، ومن الشّمال. وكان لكلّ هذه المجموعات والفئات البشرية أثر كبير على التركيبة الاجتماعية للمغرب التي عرفت معتقدات سماوية منذ أقدم العهود، كاليهودية، والمسيحية، والإسلام. ولكلّ منطقة من المناطق المغربية خصوصيّاتها التي تتميّز بها عن سواها من المناطق الأخرى، التي أسهمت في صنع فسيفساء الثقافة المغربية، بما فيها اللغة أمازيغية كانت أم عربية (دارجة أو عامية ) أو حسّانية صحراوية على اختلافها وتعدّدها، وهكذا وضع الإطار المتميّز والمتنوّع للإرث الحضاري المغربي الحالي الذي أصبح ذا طابع معروف في مختلف أرجاء المعمورة.
الضّاد في يومها العالمي
يحتفي العالم باللغة العربية في 18 من شهر كانون الأول/ديسمبر من كلّ عام، كلغة عالمية، رسميّة، متداولة، ومُستعملة في جميع المحافل الدّولية، ولم يأتِ هذا التتويج عبثاً أوإعتباطاً، بل جاء بعد نضالٍ متواصل، وجهودٍ متوالية إنطلقت منذ أواسط القرن الفارط أفضت إلى إعتماد العربية لغة عملٍ في الأمم المتحدة، فضلاً عن توفير، وتأمين الترجمة الفورية بصفة نهائية، ثم جاء قرار الهيئة العامة لهذه المنظمة الدولية الذي جعل العربية لغة عمل بصفةٍ رسمية بين مختلف اللغات الحيّة الأخرى المعتمدة في الجمعية العامة، وأخيراً الإعلان عن اليوم العالمي لهذه اللغة، علماً أن العالم لم يحتفِ قطّ بأيّ لغة « عاميّة» أو «دارجة» فى أيّ بلدٍ عربيٍّ أو سواه، ومع ذلك لا ينبغي لنا التفريط أبداً قيد أنملةٍ فى « عاميتنا» ليس كلغة تدريس، وتعليم، بل كلغة استعمال يومي، عفوي، متواتر، ومتداوَل فهي لسان حالنا وأجدادنا، وجدّاتنا، وهي في آخر المطاف ابنة الفصحى، وابنة سائر لغات البلاد ولهجاته الأصلية العريقة، والأصيلة السّائدة الأخرى منذ سالف العهود فى هذا الصّقع النائي الجميل الذي نسمّيه المغرب!.
إثارة البلبلة والشّكوك
ومع ذلك ما زالت تتوالى الدّراسات، وتتعدّد النقاشات، وتُطرح التساؤلات عن اللغة العربية، وعن مدى قدرتها على إستيعاب علوم الحداثة، والعصرنة، والإبتكار، والتجديد الذي لا تتوقّف عجلاته ولا تني، وتخوّف فريق من عدم إمكانها مسايرة هذا العصر المتطوّر والمذهل، كما تحمّس بالمقابل فريق آخر فأبرز إمكانات هذه اللغة، وطاقاتها مستشهداً بتجربة الماضي، حيث بلغت في نقل العلوم وترجمتها شأواً بعيداً في مختلف العصور والدهور.
ولقد تأكد في آخر المطاف للسّواد الأعظم من الدراسين أنّ العربية ليست في حاجة إلى إرتداء درع الوقاية يحميها هجمات الكائدين، ويردّ عنها شماتة المتخوّفين، إذ تؤكّد كلّ الدلائل، والقرائن قديماً وحديثاً أنّ هذه اللغة كانت وما تزال لغة حيّة، اللهمّ ما يريد أن يلحق بها بعض المتشكّكين من نعوت، وعيوب، كانت قد أثارتها في الأصل زمرة من المُستشرقين الأجانب في منتصف القرن المنصرم، حيث إختلقوا موضوعات لم يكن لها وجود قبلهم، وما كانت لتعدّ مشاكل أونواقص تحول دون الخلق والتأليف والإبداع، وإنما كان الغرض منها إثارة البلبلة بين أبناء هذه اللغة، وبثّ الشكوك فيما بينهم حيالها، ثمّ هم فعلوا ذلك متوخّين إحلال محلّها لغةَ المُستعمِر الدخيل.
سلامٌ على الأوّلين..!
وفي هذا السّياق يبدو أنّ الحظّ المنكود فى بعض البلدان المغاربية قد حالف هؤلاء الدّاعين، واللاّغين، والمُتحمّسين للّغات الأجنبيّة غير اللغة العربية، ولذلك فلا غرْو، ولا عجَب إذا سمعنا مؤخراً أنّ هذه اللغات مثل (الفرنسية) قد تُدرجُ بصفةٍ رسمية فى مناهج التعليم لتدريس المواد (العلمية والتقنية )على وجه الخصوص محتلّةً مراتبَ الصّدارة في هذا المجال دون غيرها، هذا حتى وإن كانت « لغة مُولييّر» قد أصبحت فى الوقت الرّاهن تعرف تقهقراً بيّناً، وتراجعاً واضحاً فى مختلف أرجاء المعمورة.
أمّا العربيّة… فسلامٌ على إبن رشد، وابن طفيل، وابن الهيثم، وابن البيطار، وعلى أبي القاسم المجريطي، والكِندي، وابن باجة، والشيرازي، وابن التفيس، والفارابي، وابن ميمون، وابن حزم، والشريف الإدريسي، والخوارزمي، وإبن سينا، وابن بطوطة، وابن خلدون، والغزالي، وابن عربي المُرسي، وعباس محمود العقاد، ومصطفى صادق الرّافعي، وطه حسين، وأحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، وابراهيم اليازجي، وحنّا الفاخوري، وإيليا أبي ماضي، ومعروف الرّصافي، والزّهاوي، والسيّاب، وأبي الحَكم الدمشقي، ونزار قبّاني، والشابّي، والبشير الإبراهيمي، وعبد الحميد بن بادس، وأبي يعقوب البادسي، والمختار السّوسي، وعبد الله كنون، وعبد العزيز بنعبد الله، والأخضر الغزال وسواهم، وسواهم وما أكثرَهم .. !
نقلا عن القدس العربي