كتابات خاصة

العجوز صاحبة الثوب الأحمر!

إفتخار عبده

نعم شاخت؛ لكن جمالها مازال يعجز الجميلات ويخجلهن، تمضي في صباحها الجميل الذي تفرد بالجمال كما سبقته هي إلى ذلك، وتدور حول بيتها الصغير الذي يشبه في بنائه عش الهزار.

نعم شاخت؛ لكن جمالها مازال يعجز الجميلات ويخجلهن، تمضي في صباحها الجميل الذي تفرد بالجمال كما سبقته هي إلى ذلك، وتدور حول بيتها الصغير الذي يشبه في بنائه عش الهزار.

 تحمل قطعة الخبز الملفوفة بالورق بيدها اليسرى وفي يمينها عصاها التي صنعتها لنفسها قبل عدة سنوات عندما كانت تحطب في أحد الجبال ادخرتها لمشيبها كما أخبرت بذلك.
لله ما أروعها وهي ترتدي اللون الأحمر لتوضح لمن يراها أن قلبها مازال ينبض بالحب ولكن حبها اليوم قد نضج كثيراً فلم يعد يحمل الخرافات والترهات.
 حبها اليوم أصبح خالصاً من كل  شيء ممقوت، إنها تتجمل لحبيبها وتسدل فوق جبهتها الناصعة خصلات من شعرها الأسلس الذي يشابه ببياضه حبات اللؤلؤ أو هو اللؤلؤ عينه أراد أن يقترب من الجمال كي يزداد جمالاً وقيمة فلم يجد سيبلا إلى الرقي إلا أن يظهر عليها.
تمضي بخطوات هادئة كلها وقار وجمال تسحر الناظرين، وقد زادنا حباً لها تواضعها الكبير الذي يمثله انحناء ظهرها، ولا تكاد تدري هل هذا الانحناء فعله المشيب بها أم أنه تواضع منها للجميع كي لا يشعر العالم أنها تتكبر عليهم بجمالها.
 تبحث عن الأطفال وتدعو الواحد بعد الآخر باسمه فيلتف الأطفال حولها؛ يحتمون بها من عناد المعاندين وكأنهم يحتمون بمدينة أقسم الله على نفسه ألا يدخلها سوء أو مكروه.
إنهم يشعرون بالأمان الكبير عندما يتمسكون بثوبها الأحمر ثم يدورون عليها، يسألونها عن قطعة الخبز فقد تعودوا على ذلك. يدخلون أيديهم في جيبها يبحثون عن قطع الحلوى فقد ألفوا أن مصدر الحلوى هو ذلك الجيب الصغير، عندما سمعوا نداءها أيقنوا في أنفسهم خيراً.؛ لأنها لا تنادي أحداً إلا وهي قاصدة أن تعطيه خيرًا.
 نسأل الله الذي جعل الكرم صفةً ملازمة لها أن يجعلها نوراً يهتدي به من يراها.
لا تحب أن تستريح إلا بعد أن تنهي عملها، فهي قبل أن تخرج لإطعام الأطفال تقوم بسقي أشجارها في حديقة منزلها، تلك الأشجار ذوات الروائح الطيبة والمتنوعة، تبحث بين الأشجار بيديها الحانيتين عن الفضلات المؤذية فتزيلاها، ثم تقلب التربة بشريمها الذي هو رفيق لها منذ عدة أعوام.
هي توزع الماء بين تلك الأشجار بتأنٍ ثم تقطف بعضاً من أغصانها وتلفها لتضعها على خدها فتزداد أناقة إلى جانب الجمال الرباني الذي وهبه لها الإله فأبدع خلقًا.
 مهماتها كثيرة؛ لكنك تعجب لها متى تبدأ وبأي سرعة تنهيها!
لديها قهوة فريدة من نوعها.. عريقة إلى حد بعيد بعيد، تحضرها على الحطب وتكثر البن لها، هي هكذا وحتى زوجها إنهما يحبان القهوة الثقيلة منذ الأزل.
بعد أن تنتهي من تحضير القهوة تنادي زوجها ليخرج معها ويجلسان سوياً أمام منزلها الصغير تحت شجرة الجوافة التي بدأت تخرج ثمارها.. فوق الأحجار المرصوصة بعناية كبيرة، تطرح عصاها ويطرح زوجها عصاه ثم ينزل عمامته من على رأسه ليتكئ عليها ويشربان القهوة سوياً بأكواب من الفخار.
 رائحة تلك القهوة تذيب الخيال، وارتعاش يد زوجها وهو يصب الفنجان لأول زائر لهما وتلاعب خيوط الدخان الخارجة من ذلك الفنجان يحدث صورةً بديعة لك أن تتخيلها.
يبدآن الحديث مع الزائر لهما عن حياة الناس في الوقت الحالي وعن الفزع الذي يعيشونه جراء هذه الأوضاع ثم يحدثانه عن الأيام التي عاشوها؛ إلا أن حديثهما ليجعلك تحب أيامهم تلك التي عاشوها ويجعلك تتمنى أن تعود الأيام إلى الوراء!
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى