فكر وثقافة

مقتل الربيع

فدوى حسين

يا الله يا الله لا تأخذ صغيري، يا الله هل أنت موجود؟
هل تسمعني؟
هل ترى ما فعلوه بنا؟ هل تشاهد هذا الظلم؟  جلستْ ملتحمةً بسريره في المشفى الذي أصبحت غرفه وممراته أشبه بساحة حربٍ، حيث تُضمَّد الدماء وبقايا أشلاء، الجلبة ورائحة الموت يملآن المكان، كان الصغير ممدداً على السرير، جسده النحيل ينزف جراح طال أمدها، سائراً نحو الراحة الأبدية، طفلٌ لم ينسَ فقط طعم اللعب والفرح والأطعمة الملونة، بل وطعم الحياة. تم نقله والكثيرين إثر استهداف مسكنهم بأحد البراميل المتفجرة، قلبه الصغير لا يقوى على الخفقان، صدره بالكاد يتحرك تلبية لأنفاسه الراحلة، عويل أمه وصرخاتها تشق رهبة الموت المحيط، تبكيه بكل جسدها فالعيون لا تنجد حرقة قلبها، تصرخ، تستنجد، تستغيث، تحاول التشبث بروحه حتى لا تفارق الجسد الميت كموت الإنسانية في عالمنا، تمسك غطاء سريره بكل قوتها وكأنها تمسك ثوب الله تناجيه بحرقة!
يا الله يا الله لا تأخذ صغيري، يا الله هل أنت موجود؟
هل تسمعني؟
هل ترى ما فعلوه بنا؟ هل تشاهد هذا الظلم؟
ما ذنب هذا الطفل؟ ما ذنب قلبي يا الله؟..ولكنها لا تعلم أن الله صبور صبورٌ جداً!
بقيت الأم على حالها هذه لساعات وعيناها لا تفارقان مراقبة جهاز نبض القلب المعلق وحركات صدر طفلها، تنتفض كل حين كطير مذبوح بنصل العالم، لم أستطع مواساتها بكلمة واحدة، ماذا عساني أقول لها؟ أن الموت أرحم لهذا الطفل المبتور نصفه من حياةٍ بائسةٍ سيحياها، لكانت هبت في وجهي كذئبٍ مسعور، فهي تريده حيًا، بين أحضانها حتى لو بقي منه جزء صغير. لحظة صمت رهيب! أوقفت صرخاتها وبكاءها واستنجادها بالحجر والبشر!
حين سمعت صافرة جهاز القلب الذي استقام رسم نبض القلب فيه في عالم لن يستقيم أبداً!
نقلا عن المنبر العربي الثقافي “ضفة ثالثة”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى