مدير البيت اليمني للموسيقى: النغم مُهِم في زمن الحرب… وضرورة للسلام
هنا يتحدث الفنان الشرجبي عن الحراك الموسيقي والغنائي اليمني خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي يمن مونيتور/القدس العربي
زادت الحرب من تعقيد واقع الفنون في اليمن، ويمثل مجال الموسيقى والغناء أكثر المجالات الفنية معاناة بالنظر إلى ما كانت عليه قبل الحرب.
ويعتبر مدير البيت اليمني للموسيقى الفنان فؤاد الشرجبي في حديث لـ«القدس العربي» أن «فن الموسيقى والغناء في اليمن تأثر كثيراً بالحرب ويعاني محترفوه معاناة شديدة. لقد شهد هذا المجال تراجعاً كبيراً لدرجة يمكن القول إن كل الأنشطة الموسيقية والغنائية توقفت، كما توقف نشاط المؤسسات المعنية بهذه الأنشطة. لقد أصحبت ممارسة الفنون والأنشطة الموسيقية شبه محرمة، بالإضافة إلى النظرة الاجتماعية الدونية للفنان، وضاعف من ذلك صدور تعميم للمدارس، خلال الحرب، بعدم إقامة أنشطة وحفلات موسيقية وغنائية والاقتصار على ما دون ذلك… وهذا أثّر كثيراً؛ لأن معظم الأنشطة الموسيقية توقفت خلال الحرب، لكننا لم نستسلم ومستمرون بالإمكانات المتاحة، ويحدونا الأمل بالفنون باعتبارها دربا من دروب النور نحو المستقبل في زمن العتمة والحرب».
شمل تأثير الحرب في اليمن على العمل الموسيقي كافة المؤسسات العاملة في هذا المجال، بما فيها المؤسسات غير الحكومية، وفي مقدمتها البيت اليمني للموسيقى، الذي يقول مديره إنه «صار يعمل بـ 20٪ من إمكاناته قبل الحرب.. وعلى الرغم من ذلك استطعنا إقامة أنشطة محدودة منها استكمال تخريج الدفعة الأولى من حَمَلة أول دبلوم موسيقي في اليمن، وهم طلاب من فترة ما قبل الحرب، ونحن الآن نشتغل على دفعة ثانية ستتخرج، ربما، في العام 2019… لكننا نحتاج إلى تجهيزات ونفتقد لإمكانات كثيرة مثلما يعاني مَن يأتي للدراسة هنا، حيث ضاعفت الحرب من معاناتهم بما فيها صعوبة المواصلات مثلاً. نعيش صراعا من أجل البقاء انطلاقاً من إيمانناً بأن الموسيقى والغناء من أفضل الطرق المؤدية للسلام؛ فالنغم مُهِم في زمن الحرب».
الأغنية اليمنية
وكانت الفنون قد شهدت في اليمن منذ تسعينيات القرن الماضي انحساراً لافتاً من خلال ما شهدته المدارس من مد ديني متطرف عمل على إلغاء حصص الموسيقى والفن التشكيلي والرياضة من جدول اليوم المدرسي؛ وهو ما حرم الطالب مما يمكنه من التوازن النفسي، ويجعل منه فاعلاً ومؤثراً في صناعة السلام في مجتمعه، ولهذا – كما يرى الفنان الشرجبي- فإن ما يشهده البلد اليوم من رواج لثقافة العنف كان في جزء منه نتيجة واقعية لتغييب المؤسسة الثقافية عموماً والفنية خصوصاً.
وعلى الرغم من ذلك الواقع الصعب الذي شهدته وتشهده الفنون في اليمن منذ تسعينيات القرن الماضي، إلا أن البلد كان قد شهد، حتى قبل الحرب، فاعلية إبداعية فنية في أوساط الشباب، وهو ما يلمسه المتابع في ظهور عدد من الفنانين الشباب، الذين يمارسون العزف والغناء بأشكاله المختلفة: كلاسيكي، راب، هيب هوب وحركات تعبيرية وغيرها، لكنها – كما يقول فؤاد الشرجبي (وهو مؤلف وموزع موسيقي) بقيت جهود شخصية فردية لم تستطيع الظهور والحضور النوعي؛ لأن الظهور وتسجيل الحضور يتطلب إقامة فعاليات جماهيرية، وهذا غير ممكن مقارنة بإمكاناتهم…«إلا أننا وعلى الرغم من كل ذلك مازلنا نعلق آمالاً كبيرة على المستقبل؛ على الرغم من الحرب التي نعيشها وأثرت كثيراً». لكن السؤال الذي يفرض نفسه: لماذا بقيتْ الأغنية اليمنية محصورة في السماع الداخلي، خاصة مع الجيلين الأخيرين من فنانيها، بينما استطاعت، من خلال بعض أسماء جيل الرواد، أن تتجاوز محليتها؟
عزلة الأغنية اليمنية
وهنا يتحدث الفنان الشرجبي عن الحراك الموسيقي والغنائي اليمني خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، موضحاً: «حينها كانت الفرق الموسيقية في اليمن بمستوى الفرق في الدول العربية المتميزة في بيروت والقاهرة، وكان يحتشد في هذا الحراك موسيقيون وموزعون وفنانون أصبحوا كباراً، ليس على مستوى اليمن، بل على مستوى الوطن العربي، في ظل ما كانت تلقى الفنون حينها من اهتمام حكومي، الذي حصل ـ لاحقاً- أن الحركة الموسيقية الغنائية اليمنية تأخرت، خاصة منذ التسعينيات نتيجة تراجع الاهتمام والتشجيع والدعم والتأهيل، في الوقت الذي بدأت الدول الخليجية تولي الموسيقى والأغنية لديها اهتماماً كبيراً، مستفيدة مما تحقق للتراث الموسيقي والغنائي اليمني، كما استفادت من هجرة عدد من الموسيقيين اليمنيين للعيش هناك… بينما ظلت الحركة الموسيقية الغنائية اليمنية محصورة على السماع الداخلي لاقتصارها على عناصرها الكلاسيكية الثلاثة: الكلمة واللحن والأداء، في الوقت الذي تطورت الأغنية وصارت لها عناصر كثيرة مثل: الفرق والآلات الموسيقية المتنوعة والتوزيع الموسيقي والاستديو والمسارح والتقنيات المتطورة وغيرها، التي أصبح معها الغناء صناعة قائمة بذاتها، فيما نحن، في اليمن، مازلنا محصورين في العُود والإيقاع مع انعدام المسارح وغياب الدولة والمجتمع؛ وبالتالي غياب الدعم والتأهيل والرعاية والتشجيع.. وما يقدمه الفنانون الشباب في هذا المجال هو عبارة عن مجهودات شخصية وتجدهم من خلال هذه الجهود ينحتون في الصخر… وهذا كله نتجت عنه عزلة الأغنية في اليمن عن الحالة العربية في العقود الأخيرة».
التعليم الموسيقي
وتجلى غياب الدعم والتأهيل والرعاية والتشجيع للموسيقى والغناء في اليمن في العقود الثلاثة الأخيرة في غياب الموسيقيين الدارسين، نتيجة إما هجرتهم لخارج اليمن أو مغادرتهم مجالهم للعمل في مجالات أخرى في الداخل، بحثاً عن لقمة العيش؛ ولهذا فمعظم الموسيقيين الدارسين خلال العقود الماضية أصبحوا خارج مجال الموسيقى والغناء، جراء عدم وجود برامج رعاية وتشجيع، بالإضافة إلى توقف التعليم والابتعاث لدراسة الموسيقى، فالدولة، منذ تسعينيات القرن الماضي، ألغت الموسيقى من قائمة المنح الدراسية في الخارج؛ وهذا أثر كثيراً في تكريس العزلة وفق الشرجبي.
واقتصر التعليم الموسيقي في اليمن بعد ستينيات القرن الماضي على مخرجات «معهد جميل غانم للفنون الجميلة» في عدن، الذي افتتح في سبعينيات القرن الماضي، وتعرض للتوقف عقب حرب صيف 1994 لمدة تصل إلى عشر سنوات، ويقول فؤاد إنه تم استئناف الدارسة فيه، لاحقاً، إلا أنهم، حتى الآن، يعملون في المعهد على تطوير المناهج، منوهاً بإسهامات مخرجات المعهد، من خلال رفد الحركة الغنائية اليمنية بعددٍ من الموسيقيين المحترفين في العقود الماضية، الذين أسهموا في إحداث نقلة نوعية في العمل الموسيقي في اليمن حينها.
وكانت صنعاء قد شهدت في الثمانينيات تأسيس «معهد الموسيقى»، لكن لم يمض عليه سوى بضع سنوات حتى تم إغلاقه. في الالفية الثالثة استحدثت الحكومة اليمنية «كلية الفنون الجميلة» في جامعة الحديدة/ غربي البلاد، إلا أن التعليم في هذه الكلية ظل يعاني من افتقاد وسائل وإمكانات التدريب الخاصة بقسم الموسيقىت، ويشير الفنان فؤاد إلى أن كثيرا من مخرجات الكلية موسيقياً يفتقرون للاحتراف؛ «لأنهم لم يتمكنوا من التطبيق العملي خلال سنوات الدراسة؛ وبالتالي كان تأثيرهم غائباً». ونتيجة غياب التأهيل العلمي في مجال الموسيقى فقد تقاعد معظم عازفي «الفرقة الوطنية للموسيقى»، في العقود الأخيرة، ولم تستطع وزارة الثقافة تجديد الدماء في شرايين الحركة الموسيقية بما فيها الفرقة الوطنية التي تقاعد وتوفي معظم أعضائها ولم تتجدد دماؤها بسبب توقف التأهيل وتعثر تخريج كوادر موسيقية مؤهلة… وهو ما يعكس صورة من صور المعاناة التي تعاني منها الموسيقى والغناء في اليمن؛ وبالتالي فإن الحرب قد خلقت مشاكل أخرى لهذا الواقع تضاف إلى مشاكله السابقة، وزادت من تعقيد واقعه. «على الرغم من ذلك الواقع يحدونا الأمل في تجاوزه من خلال ما نلقاه من توجه واهتمام بتعلم الموسيقى من قبل المقبلين على الالتحاق بالدورات الموسيقية من الأجيال الجديدة؛ ما يؤكد أن ثمة مستقبلا موسيقيا جميلا ننتظره في اليمن، علاوة على أن استمرارنا في زمن الحرب مُهِم فالموسيقى ضرورة سلام» يقول مدير البيت اليمني للموسيقى.