آراء ومواقفاخترنا لكم

“ماتريوشكا” حرب اليمن

عدنان هاشم

إذا ما أردنا تشبيه الحرب في اليمن فستكون الدمية الروسية “ماتريوشكا”- تلك الدمية التي تتضمن داخلها عدة دُمى بأحجام متناقصة- جيدة لهذا التشبيه، إذا ما أردنا تشبيه الحرب في اليمن فستكون الدمية الروسية “ماتريوشكا”- تلك الدمية التي تتضمن داخلها عدة دُمى بأحجام متناقصة- جيدة لهذا التشبيه، فالدمية الأولى هي الحرب بين الحوثيين والحكومة الشرعية، والحروب الباقية وإن كانت أقل عنفاً إلا أنها أكثر تأثيراً على مستقبل البلاد.
تعيش البلاد حالة من الوهن وكثير من الارتياب، والقليل من الثقة بين الأطراف؛ إن إطالة أمد الحرب يجعل من إنهاءها الحرب أمراً صعباً، ومن الاستقرار أملاً، تزداد المفاعيل الدولية والمحلية المؤثرة، وتفشل جهود جمعهم على طاولة واحدة.
يمثل الوجود الإماراتي جنوب اليمن، تحدياً كبيراً، فالدولة الخليجية الثانية ضمن التحالف تريد الحصول على صلاحيات الحكومة الشرعية التي تصارعها بدعم من السعودية. شهدت الفترة الماضية حرب شوارع وقُتل عشرات المدنيين. حيث الفصائل الانفصالية المدعومة من أبوظبي تحاول إنهاء وجود القوات الحكومية في عدن/شبوة (على وجه التحديد). قامت الإمارات بتأسيس “المجلس الانتقالي الجنوبي” (مايو/أيار 2017) كسلطة موازية للحكومة التي يقودها “بن دغر”، يملك هذا المجلس برلماناً خاصاً به يسمونه “الجمعية الوطنية”.
تعتبر الإمارات نفوذها اليمن كجزء من “مستعمرة” متقدمة في فِهم العلاقات الدولية كإطار لنمط مستحدث وعصري للاستعمار المشترك بوجود حاكم عسكري، وأدوات محلية تعتقد أنها تملك قضية “عدالة”. تستخدم الإمارات حربها ضد القاعدة -الذي يتعرض لحرب جوية من الطائرات الأمريكية دون طيار- من أجل الاستحواذ على مصادر الغاز والسيطرة على الموانئ. ترى أبوظبي في جزيرة “سقطرى” قاعدة عسكرية أكثر تقدماً -يرقى إلى اعتبارها ملكية خاصة بشيوخ أبوظبي- للتأثير في مضيق باب المندب؛ وهي معارك خاصة للإمارات من أجل إيجاد بدائل للغاز القطري وسوق جديدة كاقتصاد غير نفطي مع تدهور أسعار النفط.
كما يقاتل أنصار الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، جماعة الحوثيين خارج أُطر الحكومة الشرعية، حيث تدعمهم أبوظبي؛ ويناضلون من أجل إقصاء “هادي” من رئاسة البلاد؛ فشلوا في إنجاح الانقلاب عليه مع الحوثيين والآن يحاولون إقصاءه من داخل التحالف والحكومة.
كما أن هناك قِتال بالوكالة بين إيران والسعودية؛ تزداد حدتها مع التوترات الخارجية وقد تتصاعد بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني. وعطفاً على ذلك تدخل البلاد حرباً جديدة من أجل النفوذ بين السعودية والإمارات وسلطنة عُمان؛ حيث يتم استغلال الحرب لزيادة النفوذ والهيمنة بين دول الخليج، وأصبحت المحافظات الجنوبية والشرقية ساحة من أجل الوصول إلى “بحر العرب” ومضيق باب المندب. تناضل السعودية من أجل ميناء نفطي في المهرة وحمايته إلى المكلا فيما تعمل السلطنة من أجل حماية أمنها القومي -كما يقول مقربون منها- الإمارات تريد كل شيء كملكية خاصة موانئ وأراضي جنوب وغرب اليمن وسقطرى إضافة إلى احتكار الاقتصاد وتزويد اليمن باحتياجاته الاقتصادية والنفطية.
ولّدت الحرب أمراء جدد، يسيطرون على التهريب من خارج البلاد إلى داخله، كما ولدت مراكز مالية جديدة. يناضل اقتصاد اليمن من أجل البقاء وسط كل المضاربات، الحرب على الريال اليمني واسعة، كبيرة بحجم وبتعدد دُمى “ماتريوشكا” يدفع الاقتصاد الضريبة.
يبنيّ السياسيون وأعضاء الحكومة الشرعية نفوذهم ومصالحهم خارج اليمن، والحوثيون في الداخل تحول قادتهم إلى تُجار عقارات وبائعي مشتقات نفطية، وأصبح القادة مراكز مالية جديدة ضمن تغيير واسع في السياسة والاقتصاد والجيش والأمن وحتى في الديمغرافيا المحيطة بصنعاء. جميعهم يخوضون معاركهم وحروبهم الخاصة، يعيشون في المنفى أو أمراء في صنعاء ويبررون ذلك بكونها الحرب التي قد تدوم أبدا. ولا حرب تدوم أبدا وهذه البلاد لا تنسى تاريخها. “كل امرئ بما كسب رهين”-الطور(12)
يقوم الحوثيون ببناء حربهم مع الوعي، أفضلية “الدم الأزرق” والحكم الإلهي، عقيدة “من كنت مولاه فعلي مولاه”، عقيدة تنسحب على تفكيك المجتمع، على أن السلطة فقط لعائلة واحدة، إعادة “الفكرة الخبيثة” للإمامة والاستحواذ على السلطة ل1000 سنة قادمة. عقيدة تقسيم المجتمع إلى طبقات، وفرز المجتمع على أساس الولاء للأفضلية و”الحكم الإلهي” لإعادة عصر الظلام تلك التي يكون فيها الشعب ملكاً للحاكم المؤيد من الرب.
يبدو المشهد فوضوياً وبقدر هذه الفوضوية تظهر نهاية الحرب بعيدة؛ يمسك الحوثيون والحكومة اليمنية بداية الخيط في مشاورات غير مباشرة في جنيف في السادس من سبتمبر/أيلول، بداية مهمة وجيدة، للحرب الرئيسية، أما الحروب الصغيرة فتحتاج زمناً لمعالجتها، وسط 80% من اليمنيين الذين يحتاجون لمساعدات إنسانية، بينهم ملايين يعانون المجاعة وسوء التغذية.
“ماتريوشكا حرب اليمن”، أكثر تعقيداً مما كانت عليه قبل سقوط صنعاء (سبتمبر/أيلول2014)، ولا يمكن أن تنتهي الحروب المتداخلة إلا بدولة كاملة، تحقق سيادة القانون والمواطنة المتساوية، ومن أجل ذلك تحتاج البلاد إلى صحوة تيار وطني -برجال دولة حقيقين- يلتف حول المشروع الوطني الجامع يزيل العوائق مخلصاً لأجل بناء الدولة المنشودة.
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى