الموسيقى والدماغ… إيقاعات متبادلة
للموسيقى أثر كبير على النفس البشرية، فهي تتفاعل مع الجانب غير المرئي فينا يمن مونيتور/ العربي الجديد
للموسيقى أثر كبير على النفس البشرية، فهي تتفاعل مع الجانب غير المرئي فينا. ولطالما كانت عبر العصور موضع تقدير ومصدر إلهام، ومنهلاً لكبار الفلاسفة. فعنها قال نيتشه: “لولا الموسيقى لكانت الحياة غلطة”، وقال شوبنهاور: “تقف الموسيقى وحدها، منفصلة عن الفنون جميعاً. إنها لا تعبّر عن فرح محدد بعينه أو عن حزن أو كرب أو رعب أو مسرّة أو راحة بال، بل هي الفرح والحزن والكرب والرعب والمسرّة وراحة البال نفسها في التجريد وفي طبيعة هذه المشاعر الجوهرية، من دون عامل مساعد، ومن ثم من دون أهداف تجعلها وسيطاً”.
للعلم أيضا رأيه، لكنه يتطرق إلى تأثيرها على ما هو مادي. ويهتم تحديداً بدراسة أثر الموسيقى على الدماغ؛ فأيّاً كان نوع الموسيقى الذي تستمع إليه وتحبه، سيؤثر على دماغك بشكل ما. يقول أستاذ علم الأشعة العصبية جوناثان بوديت، بناء على دراسة بحثية أجراها عن أثر الموسيقى على الدماغ: “الموسيقى هي ذلك الشيء الجوهري الذي يؤثر في كل منا بطرق خاصة وفريدة. وإن اختلف تفاعل كل منا مع الموسيقى لكنه يظل قوياً. فالدماغ يصدر ردة فعل عندما تحب شيئاً ما أو تبغضه، بما في ذلك الموسيقى”.
ولدراسة كيفية تأثير التفضيلات الموسيقية على عملية الاتصال الوظيفي لأجزاء الدماغ ببعضها، أي التفاعلات في ما بين مناطق منفصلة في الدماغ، استخدم بوديت وباحث آخر معه التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، لمتابعة نشاط الدماغ وكشف التغيرات التي يعرفها تدفق الدم. تمّ فحص أدمغة المشاركين أثناء استماعهم إلى الموسيقى التي يحبونها أو لا يحبونها من ضمن خمسة أنواع موسيقية، وكذلك أثناء استماعهم بصفة خاصة لأغنية أو قطعة موسيقية أثيرة لديهم.
وقد بيّنت نتائج البحث أنّ لتفضيلات المستمعين الموسيقية، وليس نوع الموسيقى، أثراً عظيماً على عملية اتصال أجزاء الدماغ ببعضها؛ وبالأخص على شبكة الحالة الافتراضية التي تشارك في عمليات التفكير المركز على ما هو داخلي والتعاطف والوعي بالذات؛ حيث كان الاتصال ضعيفاً عندما استمع المشاركون في الدراسة إلى موسيقى لا يحبونها، ليتحسن عند استماعهم إلى الموسيقى التي يحبونها. ويصبح الاتصال أفضل وأفضل عندما يستمعون إلى موسيقاهم المفضلة.
في مشاريع بحثية أخرى، توصّل برديت وزملاؤه إلى أن العازف الموسيقي الذي تلقّى تدريباً أفضل في دمج الخصائص السمعية والبصرية واستخدامها من الأشخاص الذين لم يحظوا بأي تدريب موسيقي. فالنشاط في مناطق الدماغ المرتبطة بالرؤية يزداد أثناء المهام التي تتضمن الاستماع. وتؤثّر المستويات مختلفة التعقيد في الموسيقى بدرجات مختلفة على ترابطية الدماغ الوظيفية.
يقول برديت: “إذا أمكن للعلم مساعدة المزيد من البشر على إدراك ما تقدمه الموسيقى لنا ولأجلنا، فهذا بحد ذاته رائع. لن تشفي الموسيقى من أي مرض لكن يمكنها بلا ريب لعب دور علاجي”.
في دول مثل ألمانيا، يكون العلاج بالموسيقى جزءاً رئيساً في عملية إعادة تأهيل الأشخاص الذين تعرضوا لسكتات دماغية أو خضعوا لجراحة على الدماغ أو تعرضوا لإصابات برضوض دماغية (إصابات داخل الجمجمة).
يقول برديت: “إذا كنت تحاول استعادة اللدونة العصبية في الدماغ، لإعادة تأسيس بعض الروابط التي كانت موجودة قبل الإصابة، فإن الموسيقى يمكنها تقديم الكثير من المساعدة”.
ويؤيد برديت أيضاً برامج مساعدة المصابين بمرض ألزهايمر والخرف والمشكلات المعرفية والجسدية الأخرى على استعادة التواصل مع العالم من خلال الموسيقى.